احتجتُ فترة من الزمن إلى شراء برسيم لخرفان كانت عندي، وقد لفت نظري عند ذهابي لسوق «العلف» وجود بائعين شيخين كبيرين كنت أجدهما دائماً في وضع غريب لا يختلف، فهما يلبسان ثياباً خضراء ويفرشان بساطاً ويرقدان على ظهريهما وكل واحد منها رأسه بجوار رأس الآخر، فهما يشكلان معاً خطّاً مستقيماً ويتحدثان على هذا الوضع الغريب ويضحكان بسعادة، ولم يكونا يهتمان بأكوام البرسيم التي بجانبهما والتي يبيعان منها، ويأخذ الواحد منهما منك النقود وهو مضطجع دون أن يعدها أو يهتم بها. وكان هذا دأبهما كل يوم، حتى إنني بعد أن انتفت حاجتي لشراء البرسيم صرت أزورهما بين الحين والحين فأجدهما على الحالة نفسها بالثياب الخضراء ذاتها صيفاً وشتاءً، ويتحدثان وعلى محيا كل واحد منهما الرضا والسرور وبوادر المرح والفرح.
إلى أن زرتهما بعد انقطاع فلم أجد إلا واحداً منهما يرقد الرقدة نفسها في وجوم وكآبة، فأحسست بانقباض ودعوت عاملاً عنده وابتعدت به قليلاً ثم سألته عن الشيخ الثاني فقال لي: إنه مات منذ شهرين وأنه منذ وفاته لم يعد يسمع ضحكات «معزبة» أو يرى منه أي اهتمام بأي شيء.
إنه حب الإنسان للإنسان..
إنه أغلى من المال آلاف المرات.
حبك لأمك وأبيك، صاحبتك وبنيك، صديقك الودود وزميلك الأليف، إنه حب حقيقي فطري، به تتحقق السعادة ويتجذر الانتماء وتبتسم الطمأنينة ويحس الإنسان أنه يعيش في جو ودود، وفي محيط أمين وفي عالم صديق وفي وجود حبيب.
أما إذا انتفى حب الإنسان للإنسان، وحل محله البغض والحقد والخوف والتوجس والشك وسوء الظن فإن كل أموال الأرض لا تجلب لصاحبها الطمأنينة ولا السعادة ولا راحة البال ولا الإحساس بجمال الحياة.
الذي يحب الناس ويحبونه ثري ولو عاش على الكفاف.
والذي يكره الناس ويكرهونه مدقع ولو ملك الملايين.
والذي يتناول كسرة خبز جافة مع إنسان يحبه أسعد من الذي يتناول مائدة حافلة مع إنسان يكرهه ويحقد عليه.
الأرض بما رحبت لا تسع متباغضين.
وسَمُ الخياط يسع محبين.
ولا خير في الإنسان إذا لم يحب الناس، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم».
وكلمة «السلام» عظيمة تعني بياض القلب وجمال النية وانتفاء الحقد والبغض.
ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إن الله إذا أحب عبداً حببه إلى خلقه».
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن بأخلاقكم»
ويقول ديل كارنيجي مصوراً مجتمعه: «إن الناس يحبون الكلب أكثر من البقرة التي تقدم لهم اللبن والزبدة، والكلب لا يقدم لهم أي نفع كل ما يقدمه لهم هو الحب، إنه يحرك ذيله سروراً وحباً حين يرى صاحبه قادماً»!
الحب هو مختصر طريق السعادة.
عبدالله الجعيثن
الروابط المفضلة