السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما أجملك أيتها النخلة، طيبة أنتِ كأطفال الحجارة، مباركة مثل أرض بيت المقدس، راسخة كجبال الوطن، غرسك جدي ورعاكِ أبي، إلى أن أكلتُ ثمركِ وأراكِ تقاومين مصاعب الحياة، لكن (آدميّ واحد) لا يستطيع الصبر مثلكِ، فطولكِ فقط يُوحي للبشر بالعزّ، فإني لأقارنكِ بالمؤمن التقيّ القويّ ذلك الذي شبَّ منذ صغرهِ على "طاعت" الله عزَّ وجلّ، وأنتِ شببتِ منذ صغركِ على الإخلاص والعزم القويّ والصبر الدائم.
وأنتِ مثل الأم حين تنجب طفلها فتحمله كرهاً وتضعهُ كرهاً وتعتني به إلى أن يصبح ناضج العقل يفكر ويدبر أمره كيف يشاء، فها أنتِ تعتـنين بجنينك، ترعينهُ ليل نهار، فتقوِّمين صلبه وتدربينهُ على تحمل الصعاب حتى يشبَّ بعودٍ صلب، ذلك هـو: نواة ثمرك، فلم أرَ أنوية ثمارٍ مثمرة كنواة أبنائكِ إلا عدداً معدوداً على الأصابع مثل شجرة الزيتون، بيد أنها تختلف عنكِ بطعم ثمرها المرّ، ولم أرَ أيضاً بحياتي كلها ورقة واحدة مثل أوراقك أو مثل جذورك أو ساقك القوي، فليتكِ تسمعيني أو تكلميني لتخبريني عن قسوة الدهر وحلكته فأتعلم منكِ الصبر..
فأزاحت ستار الصمت عن فيها وقالت: اسمعي فليس في جوفي سرٌ أفشيه سوى هموم أغالبها بصبري، فأنا شجرة مباركة ولا فخر، وأنا شجرة خرجتُ من أرض طاهرة بقدر، ففي معية الشباب شققت الأرض، وخرجتُ ودموعي تنهمر لقسوة الحياة، لكن لولا أمي التي حضنتني منذ ريعان شبابي لرأيتني قد شبتُ منذ زمن كبير، لكن الله قدر لي أن أبقى خضراء مخضرة، أقاوم هموم الحياة ومصائبها، أحاول أن أنسى بؤسي، لكن غصوني تذكرني بكل ما جرى في صغري، فأصبر وأحمد الله على كل شيء أتمّهُ لي، فكم من صخرة وقفت أمام جذري؟ وكم من ثـلج أثـقل كاهلي؟ وكم من صقيع جمد عروقي؟ وكم من حشرة نخرت لحائي؟ وكم من ريح عاتية قطعت أوراقي؟
ألا هل تعلمتِ من دروسي، خذي العبرة يا ابنتي وتابعي مسير حياتك!؟
رائدة أديب
الروابط المفضلة