:
لاشىء أشق على النفس من الشعور بالظلم إلا الشعور بالعجز عن دفعه واليأس من أن يجد سبيلا إلى رفعه
ويتحول ذلك الظلم إلى كابوس مخيف عندما يصيب
الناس في معايشهم وأرزاقهم ومجريات حياتهم
ثم يزداد بشاعة عندما يصير سلوكا مألوفا وعرفا متداولا
لايجرؤ أحد على تغييره أو التفكير في التخلص منه
استشعرت المعاني وأنا أقرأ قوله تعالى
وشعرت وكأني أقرأها لأول مرة فقد شخصت الآية الداء الذي أصاب الأمة فقلب حالها وأفسد أمرها ونخر كيانها
حتى أرهقها وأوهن قوامها
التطفيف نوع من الظلم ومجاوزة الحد يؤدي بصاحبه إلى
التحامل والميل على الآخرين
أنانية مفرطة وزيادة في حب النفس وجحود وكنود
توسعت بفكري في الايات الكريمات وعلمت كم كنت ضيقة الأفق ضيقة المعاني حين ربطت بين مفهوم التطفيف وبين البيع والشراء
ونسيت ماوراء المعاني التي تكون غالبا هي الأهم والأولى بالتمعن والتأمل ودقة الإدراك
حقا التطفيف في ميدان البيع والشراء هو الميدان الأوسع لكنه ليس الوحيد
فالتطفيف معنى استشعرته يتسع ليشمل كل مايمارسه
الناس من ظلم وجور واجحاف وعدم لإنصاف في كل المجالات المادية والمعنوية وفي كل مايتعلق بالحقوق
والواجبات
وما أقسى ما استشعرت حين رأيت الظلم يجول أركان حياتنا ذهابا وإيابا
ظلم وتطفيف في مشاعر الأبناء نحو الأباء والأمهات
ظلم وتطفيف جال المدارس فأرى المعلم حريصا على تحصيل راتبه كاملا غير منقوص وإذا نقص راتبه رأيته ملأ
الدنيا بالشكوى وجهر بالسوء من القول
لكنك إن غافلته بالنظر إليه في غرفة درسه رأيت ألوانا
من العبث واللهو واهدار الوقت بغير فائدة وتعمد لترك جوانب غامضة حتى يلجأ إلية الطلاب بحثا عن درس خاص !!
وهذا فقط نموذح للتطفيف وهناك الكثير والكثير فالحاكم
الذي أخذ من أمته حسن السمع والطاعة ولم يعطها
حسن القيادة وأمانة القوام مطفف
ومدير المؤسسة أو صاحب العمل حين يبالغ في تعظيم نفسه ويمنحها أكثر مما تستحق ويجحف حق اّخرين يستحقوا فهو مطفف
والتاجر والمزارع والموظف والطبيب الذي نسى القسم
الذي أقسمه وبدأ كل همه أن يجمع المال من الآم المرضى
ويستنزف معاناتهم هو مطفف
كل حين يتخلى عن إنصافه وأمانته أدعوه مطففا
هي من وجهة نظري جريمة يرتكبها كل من طاوع هواه
وسولت له نفسه أن يظلم غيره فحول المجتمع إلى مجوعة من المشوهين أخلاقيا ونفسيا وبات الناس يتبادلون سوء الظن ويلقى كل واحد منهم أخاه بحالة من التوجس والحذر وبقدر أكبر من الكراهية والبغضاء
وهو مايتنافى مع مجتمعنا المسلم الذي ينطلق في كل
أموره من قوله تعالى " إنما المؤمنون اخوة"
لا أبالغ حين أصف الظلم بأنه أولى لبنات الفساد والقهر
فحين أستشعر أن هناك من لايقدر جهدي ويظلمني
فكيف أسمو وأعلو و أعطي
كيف لي أن أمنح الحب وأخلص العطاء والمقابل لاشىء
وكيف لم يستشعر هؤلاء قول الحبيب
"المسلم أخو المسلم لايظلمه ولا يخذله ولايسلمه "
أيها الظالم إن مجرد ظنك أنك مبعوث ليوم عظيم كاف لكي يحدث في قلبك هزة عنيفه تحررك من سيطرة الهوى وميلها إلى الظلم
هذا اليوم العظيم يوم البعث كفيل بذلك وهو ما لاتسطيعه المناهج الأرضية مهما ملكت من وسائل الترغيب والترهيب
المطففين فئة تحب أن تعيش في الجانب المظلم من مجتمعنا لأنها لاتستطيع الحقيقة لايعرفون إلا أنفسهم ولا يرون إلا مصالحهم
هي بمعنى أصح عملية اجحاف وانحراف عن الفطرة
تجعل النفس تميل إلى الأنانية وحب الذات وتنسى ماوراء ذلك من حقوق الآخرين
وهو انعكاس لخلل كامن في عقيدة الظالم ووجدانه فلن
يرض بهذا التطفيف ويمارسه عن قناعه ورضا إلا قلب غافل عن مراقبة الله محجوب عن نوره ولو أن هذا المشغول بدنياه المعتز بمتاعها الفاني تذكر ولو للحظة
أن الله ناظر إليه وطلع عليه وسائله عن ميله وإجحافه لرجف قلبه واهتز كيانه ولآثر اّخرته على دنياه
فأعظم حصانه تحفظ النفس من الوقوع في هوة التطفيف هو أن يتذكر المرء وقوفه بين يدي ربه للحساب
ويهىء نفسه لجواب يخلصه من تبعة الموقف الرهيب
" وقفوهم إنهم مسئولون مالكم لا تنصرون, بل هم اليوم مستسلمون " الصافات 24 :26
فقوانينك ياأرض مهما عظمت ومراقبة الناس مهما قويت
لاتستطيع التسلل إلى خفايا النفس وطوايا الضمير لترد
النفس إلى سويتها وتغسلها من لوثتها وتهديها إلى سواء السبيل لكن كل ذلك يتحقق إذا قرأنا قول الحق
سبحانه
ويل للمطففين ..............
فالحمد لله على نعمة الإيمان والقراّن
إن أصبت فادعولي
وإن أخطأت في تقديري
فسامحوني
الروابط المفضلة