.
لا أعرف من أين أبدأ، لكن متأكدة أنّكم تستفسرون عن "أحمد". من هو؟ وما صلة قرابته لي؟ ولماذا اخترته هو دونا عن كل من حولي لأتحدث عنه؟! "أحمد" هو أحد أقارب أقاربي. لم أشاهده قط ولم أسمع حتى صوته لأنه لا يعد من محارمي. هو أصغر منّي بسنوات لكنه شاب في مقتبل العمر. يحتل وظيفة مرموقة في إحدى الشركات المعروفة في الإمارات.
بين فينة وأخرى أزور والدته. بيتهم متواضع. في زياراتي الأخيرة لاحظت بعض الأثاث الجديد في منزل أهله. حين استفسرت عن سر الأثاث. ردوا علي: البركة في "أحمد" لقد استلم راتبه وأراد أن يدخل السرور إلى نفس والدته وأخواته بذلك الأثاث! لم يكن أكبر أخوته لكني كنت أراه كبيراً بأعماله. بعد أشهر زرت والدته مرة أخرى. وجدت أثاثا آخر جديد. لم أسأل عمّن جلبه لأني على يقين أنه أحمد!
ذات يوم احتجت إلى حاسوب جديد لأن جهازي بات بطيئاً. طلبت من أحد محارمي شراءه. اعتذر منّي قائلاً: "أحمد" خبير في شراء أجهزة الحاسوب سنطلب منه ذلك. لم تمر فترة طويلة على هذا الحديث ووجدت الحاسوب أمامي. في الصيف الماضي احتجت إلى رقم هاتف جديد خاص بمشاريعي التجارية الصغيرة. ووصيتُ من حولي أن يشتروا لي رقم. بعد أسابيع جلبوا لي رقمين قائلين:
- هذه الأرقام اشتراها "أحمد".
- وأنتم؟! هكذا سألتهم.
- مشاغلنا كثيرة. لم نتمكن من الشراء و"أحمد" لا يرفض لأحدنا طلب.
والآن حين أحتاج إلى شيء أوّل من يتبادر إلى ذهني اسم "أحمد" لكن تقديمه للمساعدة لي أو لغيري بات محالاً!!
قبل أن تودعنا أشهر الصيف خرج أحمد من البيت مودعا أمه وأبيه وأخوته. سلّم عليهم ولم يعلم أحد أنه الوداع الأخير. أجل فلم يمر على ذلك الموقف يوم وليلة حتى وصلهم نبأ وفاته في حادث سيارة وهو في طريقه إلى إحدى الدول العربية مع أصحابه. لم يصدقوا الخبر في البداية لكنهم تماسكوا حين أبلغتهم السلطات المختصة النبأ طالبين منهم إيفاد أحد لنقل جثمانه إلى الإمارات.
ووصل "أحمد" جسد بروح تسمو بكل عمل صالح. الكل يذكره بخير ويطلب له المغفرة والرحمة والثبات.
حاولت ألاّ أبكي عليه لكني لم أستطلع!! حين قدمت تعازي الحارة لوالدته لم أتمكن من حبس دموعي! دموعي غلبت كلمات العزاء التي حضرتها لها. حضنتني والدته وحاولت تهدئتي! قالت لي: لا تبكِ. أمر الله فوق كل شيء! لم أتمكن من النظر إلى عينيها! أطرقت رأسي ومسحتُ دموعي، وهي تواسيني كانت تمسح دموعها التي تتسلّل أمام جلدها! لله درّها من أم! آمنت بقضاء الله، واحتسبت الأجر في أبر أبنائها!
إن حزني على أحمد مختلف. كلهم عرفوه عن قرب وأنا عرفته من بعيد. لم أشاهده يوماً ولا أعرف ملامحه ولم أسمع صوته لكني أعرف أعمال الخيّرة ومساعدته لي حين أحتاج ولغيري إن احتاجوه، وأتذكره عندما أطلب من أحد محارمي شيئا وأجد الاعتذار جوابا!! وهو الذي كان يسبقهم لنيل الأجر والثواب بتقديم يد العون لمن حوله!!
رحل "أحمد" عن هذه الدنيا الفانية تاركا وراءه سيرة عطرة وأعمال بر لوالديه وأهله والناس! ونحن ماذا أعددنا للرحيل؟! هل فعلنا شيئا ممّا فعله أو قدمه أحمد؟! اسألوا أنفسكم. هل تسارعون لتقديم يد العون لمن حولكم؟ أم تكرّرون الاعتذار تلو الاعتذار على الرغم من مقدرتكم على المساعدة؟!!
اللهم أبدل أحمد دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار .اللهم اجزه عن الإحسان إحسانا وعن الإساءة عفواً وغفراناً. اللهم أنزله منزلاً مباركا وأنت خير المنزلين .
بقلم أختكم: وفاء العميمي
.
الروابط المفضلة