والقاصر المعنيَّة في العنوان .. هي فتاة تبلغ من العمر اثني عشر عاماً ..
أما الجريمة فهي أن أبوها زوَّجها لرجل بلغ من العمر ثمانين عاماً !!! ..
هذه الحادثة وأشباهها باتت حديث الساعة .. وفاكهة المجالس .. والشغل الشاغل هذه الأيام لوسائل الإعلام بشتى أنواعها مقروءة ومسموعة ومرئية .. وباختلاف مقاصدها من تناول هذه الحادثة القضية ..
وأنا هنا أسأل :
أين يكمن الإشكال بالضبط في زواج كبير السن من صغيرة السن أو من يُطلق عليها (قاصر) ؟! ..
هل يكمن الإشكال في صِغَرِ سن الزوجة ؟! .. أم يكمن الإشكال في كِبَرِ سن الزوج ؟! ..
أوضح الأمر أكثر :
هناك اعتراض شديد وحملة شعواء تشنها وسائل الإعلام على ذلك الرجل العجوز الذي تعدَّى عمُره الثمانين عاماً لكونه أراد الزواج بفتاة صغيرة (قاصر) قد تكون في سن إحدى حفيداته (12 عاماً) ..
فهل الإشكال في عمر الرجل الذي تجاوز الثمانين عاماً ؟! ..
أم الإشكال في عمر الفتاة التي لم يتجاوز عمرها الثانية عشرة ؟! ..
إن قيل إن المشكلة تكمن في عمر الزوج الطاعن في السن والذي تجاوز عمره الثمانين عاماً ..
قلت :
فهل يُقبل أن تتزوج تلك الفتاة وهي في ذات عمرها الآن (12 عاماً) من شاب يٌقارب عمرها بفارق يسير من السنوات ؟! ..
وإن قيل إن المشكلة تكمن في عمر الفتاة الصغيرة (القاصر) .. وأنها لا بد وأن تبلغ الثامنة عشرة من عمرها كي تكون في وضع مناسب للزواج كما قال بذلك ويقوله الكثير ..
قلت :
وهل هذا يعني أنه لا مانع أن تتزوج تلك الفتاة التي تبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً من رجل تجاوز عمره الثمانين ؟! .. أم أن الحكم على هذا الزواج أيضاً هو ذات الحكم في زواجه من تلك القاصر ؟! ..
من وجهة نظري المتواضعة ..
أرى أن الإشكال ليس مُتمثِّلاً في صِغَرِ سن الزوجة ولا في كِبَرِ سن الزوج في حد ذاته .. بل الإشكال يكمن في المقام الأول في الفارق الشاسع والواسع بين عمريهما .. وإن كُنَّا لا نستطيع أن نُسمِّي ذلك إشكالاً على إطلاقه .. حيث أن هناك من الشواهد على أرض الواقع الكثير التي تحكي قصصا من الزيجات الناجحة على الرغم من الفارق الكبير بين سنَّي الزوجين .. إلا أنه يغلب على الظن أن يكون ذلك الفارق الكبير بين سنَّي الزوجين سبباً في عدم التواؤم النفسي والتلاقح الفكري ونمط التفكير والاهتمامات والمُتطلبات ..
ما أريد قوله هنا ..
إن العمر وحده لا يكفي ليكون معياراً أو مقياساً دقيقاً للحكم على أهلية تلك الفتاة للزواج من عدمه ..
فكم رأينا وسمعنا من خلال المُعايشة على أرض الواقع .. من فتاة لا زالت في الثانية عشرة من عمرها أو أقل من ذلك أو أكثر بقليل .. بيد أن نموَّها الجسدي ونضوجها العقلي يوحيان إليك وكأنها قد تخطَّت سن العشرين !!! ..
فما المانع والحال هذه أن تتزوج تلك الفتاة ؟! .. طالما لديها القدرة جسدياً وعقلياً على تحمُّل تبعات ذلك الزواج والقيام بمسئولياته .. وأنها تعي تماماً تلك التبعات .. وتعي تماماً حجم المسئولية المُلقاة على عاتقها جرَّاء إقدامها على تلك الخطوة .. وهي على أتم الاستعداد للقيام بكل ذلك على أكمل وجه ؟! .. خصوصاً إذا صادف كل ذلك أن الزوج كان رجلاً كفؤاً ديناً وخلقاً وطبعاً ومكانةً ؟! .. وصادف أيضاً قبولاً ورضى من تلكم الفتاة ؟! ..
وفي المقابل وعلى النقيض من تلكم الفتاة ..
كم رأينا وسمعنا عن أُخريات تجاوزن العشرين بل قد يكنَّ قد شارفن على الثلاثين من أعمارهن .. بيد أنهن غير مؤهلات تماماً لا جسدياً ولا عقلياً لتحمُّل مسئوليات الزواج ولم يصلن بعدُ إلى مرحلة الإدراك الكامل لما يكتنف ذلك الزواج من مسئوليات وتبعات ..
فهذه وإن كانت من ناحية سنِّها مُناسبة للزواج .. بيد أنها ليست كذلك على الإطلاق من الناحية الجسدية والعقلية .. وفي الغالب يكون مصير ذلك الزواج هو الفشل الذريع لا محالة !!! ..
إذاً .. نستنتج مما تقدَّم إيضاحه .. أن العمر وحده ليس كافياً لقبول أو رفض زواج الفتاة .. إنما هناك معايير أخرى -إضافة إلى العمر- من الأهمية بمكان بحيث لا يُمكن إغفالها عند إصدار الحكم على أهلية هذه الفتاة أو تلك للزواج من عدمه .. وأقرب الناس من تلك الفتاة وأكثرهم دقَّة ومعرفة ببواطن أمورها هم أهلوها .. وبالتالي هم من يُقرِّر مدى أهليتها للزواج في سنها الذي هي فيه أو عدمه ..
إذاً .. أين يكمن الإشكال ؟! ..
من وجهة نظري الشخصية .. وكما سبق وأسلفت .. فإني أرى أن المُشكلة الحقيقية تكمن –في الغالب الأعم- في الفارق الشاسع الواسع والكبير بين سنَّي الزوجين .. فسواء كانت الفتاة لا زالت في الثانية عشرة من عمرها .. أو تعدَّت ذلك إلى الثامنة عشرة أو العشرين من عمرها .. ثم تزوَّجت من رجل بلغ من العمر عتياً .. ويفصل بينهما فارق عمري يصل إلى عدة عقود .. فهنا يقع الإشكال .. وتبدأ بوادر نذر الفشل الذريع لذلك الزواج تلوح في الأفق .. نظراً للبون الشاسع بين الثقافتين ونمطي التفكير والاهتمامات والاحتياجات وخلاف ذلك ..
والله تعالى أعلم وأجلُّ وأحكم ..
تحياتي ،،،
الروابط المفضلة