" و مكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون *
فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين " ... [ النمل ]
إن سنن الله لا تتغير ولا تتبدل وهي ماضية في الآخرين كما كانت في الأولين .
والقرآن حين يتحدث عن الأمم الماضية وما حل بها من الهلاك والبوار
إنما مقصوده الإنذار والتحذير وأخذ العبرة من هلاك الأمم السابقة
و تجنب أسباب ذلك ...
~ قصـة قـوم ثمـود ~
وهذه الآيات عقَّب الله بها على قصة ثمود مع أخيهم صالح عليه السلام
حين دعاهم إلى الحق وإلى الهدى فما استجابوا ...
بل تكبروا وعتوا عتواً كبيراً ...
وما كان من الملأ من قومه إلا أن ائتمروا به وبأهله ...
رغبة منهم في إهلاك نبي الله والقضاء عليه وعلى أهله ...
لئلا يبقى لهم أثر كما ذكر الله ذلك عنهم بقوله تعالى :
" وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون *
قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه و أهله ثم لنقولن
ما شهدنا مهلك أهله و إنا لصادقون " ... [ النمل : 48 - 49 ]
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند هذه الآية
( يخبر تعالى عن طغاة ثمود ورؤوسهم الذين كانوا دعاة قومهم
إلى الضلال والكفر وتكذيب صالح وآل بهم الحال إلى أنهم عقروا الناقة
وهموا بقتل صالح أيضاً ، بأن يبيتوه في أهله ليلاً فيقتلوه ...
ثم يقولوا لأوليائه من أقربيه : إنهم ما علموا بشيء من أمره
وإنهم لصادقون فيما أخبروهم به من أنهم لم يشاهدوا ذلك .
ثم ساق رحمه الله بسنده عن عبد الرحمن بن أبي حاتم أنه قال :
لما عقروا الناقة قال لهم صالح :
" تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب " ... [ هود : 65 ]
قالوا : زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاثة أيام ...
فنحن نفرغ منه وأهله قبل ثلاث ...
وكان لصالح مسجد في الحجر عند شعب هناك يصلي فيه ...
فخرجوا إلى كهف ، أي غار هناك ليلاً ...
فقالوا : إذا جاء يصلي قتلناه ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى أهله ففرغنا منهم ...
فبعث الله عليهم صخرة من الهضب حيالهم ... فخشوا أن تشد خهم فتبادروا ...
فانطبقت عليهم الصخرة وهم في ذلك الغار ... فلا يدري قومهم أين هم ...
ولا يدرون ما فعل بقومهم ... فعذب الله هؤلاء ههنا ... وهؤلاء ههنا ...
وأنجى الله صالحاً ومن معه ثم قرأ :
" و مكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون *
فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين *
فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ان في ذلك لآية لقوم يعلمون " ...
[ النمل : 50 - 52 ]
أي يعلمون الحقائق ويتدبرون وقائع الله في أوليائه وأعدائه ...
فيعتبرون بذلك ... ويعلمون أن عاقبة الظلم الدمار والهلاك ...
وأن عاقبة الإيمان والعدل النجاة والفوز ... ولهذا قال :
" و أنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون " ... [ النمل : 53 ]
أي أنجينا المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله
واليوم الآخر والقدر خيره وشره , وكانوا يتقون الشرك بالله والمعاصي ...
ويعملون بطاعته وطاعة رسله ( تفسير السعدي ) ...
~ قصة فـرعـون ~
والمتأمل – أخي القارئ –
في تاريخ الأمم يجد هذه السنة الربانية واضحة جلية ...
فهذا فرعون لعنه الله لما دعاه موسى عليه السلام إلى الحق ...
طغى وبغى وأرغد وأزبد وتوعد موسى وقومه أن يستأصل شأفتهم...
كما ذكر الله قصته بقوله :
" وقال الملأ من قوم فرعون اتذر موسى وقومه ليفسدوا في الارض
ويذرك و آلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم إنا فوقهم قادرون *
قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا
ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين " ... [ الاعراف ]
وفي الآية الأخرى :
" فأرسل فرعون في المدائن حاشرين * إن هؤلاء لشرذمة قليلون *
و إنهم لنا لغائظون * وإنا لجميع حاذرون " ... [ الشعراء : 53 - 56 ]
فكانت النتيجة ما أخبرنا الله به :
" فأخرجناهم من جنات وعيون * وكنوز ومقام كريم *
كذلك واورثناها بني اسرائيل * فاتبعوهم مشرقين * فلما تراءى الجمعان
قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين *
فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحرف فانفلق فكان كل فرق
كالطود العظيم * و أزلفنا ثم الآخرين * وأنجينا موسى ومن معه أجمعين *
ثم أغرقنا الآخرين * إن في ذلك لآية وماكان أكثرهم مؤمنين *
إن ربك لهو العزيز الرحيم " ... [ الشعراء : 57 - 68 ]
~ قصة مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ~
وهذا محمد صلى الله عليه وسلم ائتمر المشركون على قتله وإنهاء أمره
وتواعدوا على ذلك وفرح طغاتهم بالأمر ...ليتم لهم القضاء على ما جاء به
محمد صلى الله عليه وسلم من الحق والهدى كما في سورة الأنفال :
" و إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك
ويمكرون ويمكر الله و الله خير الماكرين " ... [ الأنفال : 30 ]
فكانت النتيجة نجاة محمد صلى الله عليه وسلم وظهور أمره ...
وفتح مكة وهزيمة المشركين ... بل وإسلام كثير منهم ...
وتلك حكمة العليم الحكيم .
وهكذا كان الحال مع دول الكفر في تاريخ الإسلام ...
من الروم والفرس والمغول والتتار وغيرهم .
~ مــا أشبـه اليـوم بالأمـس ~
وما أشبه اليوم بالأمس ... فمنذ سنوات معدودة ...
كان العالم يتحكم به قطبان طاغيان مجرمان ...
سقط أحدهم ( وهو الاتحاد السوفيتي ) على أعتاب جهاد المسلمين ...
يوم أن صدقوا الله في جهادهم ...
ولا زال هذا المعسكر في تردٍ مستمر وتقهقر دائم في جميع المجالات ؛
السياسية ، والاقتصادية ، والعسكرية ،والأخلاقية ...
واليوم بدأت نهاية القطب الثاني ( الولايات المتحدة " اسرائيل الكبرى " )
بإذن الله ليكون في ذلك عبرة لغيرهم .
وبعيداً عن الجدل الدائر في أسباب حادث 11 سبتمبر ...
وهل كان بتخطيط وتدبير من الملأ الصهيوني في الحكومة الأمريكية مكراً وكيداً
أم أنه بتخطيط وتنفيذ المجاهدين في أفغانستان ...
فهناك حقيقة يتفق عليها المسلمون وهي ...
أن هذا الحادث هو إنذار من الله لدولة الكفر والعناد ...
وكسر لطغيانهم وجبروتهم وبداية لهزائم متعددة ؛
سياسية ، وعسكرية ، واقتصادية وأخلاقية ...
كما قال الله تعالى :
" و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها
فحق عليها القول فدمرناها تدميرا " ... [ الإسراء : 16 ]
وبعيداً كذلك عن الجدل الدائر حول أهداف أمريكا الصهيونية ...
وذيلها بريطانيا من الحرب على العراق ...
فلا شك أن خوفهم من ذلك العملاق الذي بدأ يستيقظ ...
ومعرفتهم بأنه لا بقاء لهم مع قوة الإسلام ووعي المسلمين ...
– أي محاولتهم استباق الحدث
ومحاصرة المسلمين في عقر دارهم ومصدر هدايتهم –
فذلك السبب هو من أهم دوافع هذه الحملة الصليبية ...
وليس النظام البعثي الذي هو صنيعة من صنائعهم ...
فهم إنما جاءوا محاربين لهذا الدين ...
غير أنهم لا يدركون أن الله غالب على أمره وأنه من يغالب الله يغلب...
وأن من يقف عائقاً أمام هذا الدين فهو هالك خاسر لا محالة :
" هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق
ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " ... [ الصف : 9 ]
الروابط المفضلة