أكثر من ستين عاماً والمشكلة مازالت كما هي في المربع الأول .
الفلسطيني مطلوب منه أن يخلع تاريخه ويستعمل كاتما لذاكرة جرح مازال مفتوحاً على مصراعيه .
والإسرائيلي مسموح له أن يحلق بخياله وبدون سقف ويستدعي تاريخاًَ تجاوز الثلاثين قرناً .
نعم المطلوب من الفلسطيني أن يرمي أجندته .. بل يرمي ذاكرته فيما يتعلق بحق العودة.
ومسموح للإسرائيلي أن يؤسس إسرائيله العنصرية والنووية على عودة بلا حق له .
فهل هذا عدل ؟!
في كل مرة يجري تحويل السبي الفلسطيني إلى قصة مسكوت عنها رغم أنه الشعب الوحيد الذي يعيش أكثر من نصفه في شتات خارجي والباقي في شتات داخلي .
وفي كل مرة يرتفع الصخب الإسرائيلي حول السبي البابلي .. وحول الهولوكوست حيث يمثل الجلاد دور الضحية ويغرس سكينه في اللحم الفلسطيني مع فائض من العويل .
إنها الورطة الإسرائيلية التي تدفع الإسرائيليين في كل مرة لمد أيديهم إلى جرابهم القديمة .
نعم مع كل طرقة على أبواب الضمير العالمي يحشد الإسرائيليون دموعهم إلى جوار حائط المبكى .
هكذا ليضغطوا على نفس الأزرار لتدوير نفس أسطوانات الماضي .
ربما فهم الذهن الإسرائيلي من أين يؤكل الكتف الغربي .
وربما عرف الإسرائيلي أن دبلوماسية التسول والابتزاز سوف تتكسر على صخرة ضمير أممي لابد أن ينهض .
ويظل المشهد على هذا النحو .
فالنزيف الفلسطيني مازال مستمراً .
ماذا تبدل في المشهد الفلسطيني ؟
لقد ظلت بقع الدم هي اللوحة الفلسطينية التي تتكرر كل مرة .
فكل يوم هناك دماء جديدة ..
وكل يوم هناك أكفان جديدة ..
وكل يوم هناك عودة للمربع الأول .
وأمام عقدة الخوف من الفلسطيني يأخذ الإسرائيليون سكاكينهم لإدارة دولاب الموت المتواصل .
وأمام النار الإسرائيلية تندلع عقيدة الثأر الفلسطينية .. فميكانيكا الفعل ورد الفعل طبيعة بشرية أيضاً .
وهكذا أخذت العلاقة أبعادها بين الجرح والجرح .. وبين الانتقام والانتقام .. وبين الحريق والحريق .. إنها علاقة دائمة تشكل الكراهية أهم عناوينها .
فكيف يمكن إيقاف نزيف الدماء ؟
وكيف يمكن إيقاف نزيف الأرواح ؟
وكيف يمكن إيقاف نزيف الإمكانيات ونزيف الوقت ؟
وهذه ليست كل الأسئلة فهناك المزيد من الاستفسارات المعلقة في انتظار أجوبتها .
ولكن قبل كل ذلك هل ندرك أن الذين يبيعون حياتهم هم أصحاب ثأر أكثر من كونهم أصحاب قضية ؟
وهل ندرك أنه كلما تبددت الدماء كلما ارتفع منسوب الضغينة ؟
لهذا فإن سياسة قطع الرقاب وإشعال الحرائق وتخريب البيوت لن تحقق للإسرائيليين أمنهم .. بل تضيف للشارع الفلسطيني المزيد من الاحتقان ومن الرفض .
لن تفلح سياسة الترهيب في إبعاد الفلسطيني عن نزعة الانتقام .
ولن تفلح سياسة الترغيب في مساعدة الفلسطيني على إلغاء ذاكرته .
نهاية................
حالة الافتراس الإسرائيلي لم تتوقف قط .
الروابط المفضلة