قد قلت استناداً على بعض الروايات مستحدِثة للفظ مبقِية على المعنى اللذيذ أنه : من لم يجيّد ماضيه لا يجوّد حاضره .. و بالبسيط الميسر فهمه للعموم : من لا قديم له لا جديد له ..
و رواه الأدباء مثلاً فصيحاً ذا معنى أخّاذ و سياقاً خفيفاً بلبٍّ ثريّ .. و نصه :
( لا جديد لمن لا يلبس الخَلَق ) .. فضلاً على قوة المفردة و تحوير الحرف و التدوير البلاغي الفخم .. مما يأخذك بحثاً و تقصياً إلى التقطيع اللفظي و الشرح الموجز الوفير ..
فتجد عندما تغوص في شُرّع معانيه أن لك إسقاطه بعد ضربه على أكثر من موقف لاسيما في ظل المحدثات الحسية المتقلبة في نفوسنا الطبعية ..

لاشك في أننا نورد المثل شعبياً كان أم فصيحاً في كثير من الحوادث التي تستوجب علينا تذكر الماضي قبل ذكره .. حيث أن جزءاً كريماً من البشرية - أكرمه الله - ينسى دور الفقير إلى ربه المغلوب على أمره بين عباده الرئيس في نفخ عجلة التطور بـ الـ ( البوتكس الذي يلقى رواجه هذه الأيام بعنف ) و إمداد المحرك بـ الطاقة اللازمة مع الإشارة إلى عنايته بتغيير زيت المركبة دورياً و من ثم دفعه نحو ما يسمونه بعض القامعين الناقمين و في رواية أخرى الطامعين منهم انفتاحاً و تنمية حضارية و ... "مستقبلٌ رائد لغدٍ واعد" ..
أتساءل في نفسي عن نفسي و عن الغد الواعد ذي المستقبل الرائد الذي يتشدّقون به اليوم ... إن كان الفاعل في الجملة مقتصاً منها بعد تحويل سياقها إلى مستفعل تماشياَ مع المستهدف فأين هو من المفعول به إذاً .. ؟! ..أي أني في كلمتين مليحتين أقول " لا أجد الجيل المعني بالصنع " .... لا سيما في ظل العولمة و تيارات التحرر المنتقاة بعناية خصيصاً للمتسلقين على هدّامات الـ " cultural exchangings" و الـ " political authentication " .. و أعني بذلك أن الغالبية منا يمثلون الرغبة السامية للاكتساب الثقافي و التبادل التعليمي بطرق سياسية ممشوقة لتتمثلهم الآية الكريمة " و لي فيها مآرب أخرى " .. كوسيلة أجدها فاعلة نسبياً بمردود و تغذية راجعة دسمين لا خلاف عليهما لخلع العذار تململاً كبداية ثم تقلقلاً بالوسط ثم تحلحلاً تاماً مما ينادونه بـ " قيد الدين و المعتقد " .. " قيد العادة أو العرف " و .. " قيد الثقافة المقنّنة " ... <<كما يسمونها المدعون ..
و لعلّ ما يعيقنا عن التدولب باستقامة أننا نسوّق للمنتج قبل أن نضمن المروّج له - الراعي للدعاية .. و من هنا تنزل بفخامة ثقافة اللعب من تحت الطاولة و من ثم قلبها على أعقابها ..
ربما هي المزيّة العربية أو ربما المطيّة التي جعلت منّا روافع يتعملق على أكتافنا الأرذلون ..؟! حقيقة لا أعلم ..!

ذلك أن المتحضرين منا أو دعامات الحضارة المستغربة تأسياً بـ " العمالة المستشرقة " يتذكرون من التاريخ المعاصر ما يرون أنه سيخدم الخاصة و يسكت العامة المنعوتة بـ ( ( abracadabra أي " المتمتمة " في حكم الفرق المضللة .. و حيث أننا في تصنيف العارفين من المغشي عليهم فإننا نصدر و نتذيل و نحكم و نحتكم .. و من سخرية القدر أننا نولد على الفطرة و يفطمنا الشرع و نلد على التحريف و نَفطِم على الدستور .. ولا عجب في أن نكون " الأمة اللكعاء " عند شعوب الدول الأم .. >> لكعاء !! .. أجده المفرد البليغ في محل الوصف ..

غير أن أبناء الماضي و أسباط التاريخ يتبرؤون منه كما أرّخه الذين من قبلهم .. و يتجردون من لباسهم توخيّاً من أشباح التخلّف الماضي و خوفاً من أن تجرّ ذيولهم خيالات المجد أو ظلال الفتوحات التي يدعون أننا نحابي أنفسنا بها منذ أن غاب عنّا ذلك العهد و سيّدتنا الدولة الأم لاهثين خلف سراب العَوْرَبَة .. >> عوربة ؟!و دعوني هنا أضع سؤالاً شقياً ليتنازع مع أهل الفهم و هو : كيف لنا أن نتكلم عن العوربة في الوقت الذي أصبح العربي فيه منسوخاً ممسوخاً بإرادته .. منسلخاً من هويته مشياً إلى التجرد من الأصل .. متناجياً إلى الغوربة لا العوربة و من ثم عكس التيار جبراً ..؟!

و هاهم تتار اليوم – السادة الكرام - يفعلونها كما سرمدوها ليلاً دامساً مشرئباً بحمرة << كيف هذا ؟! .. فيرمون بالبقية الباقية مما أبقوا عليه أسلافنا في أنهر ضلالاتهم و يلوثونه بعكرة عباباتهم و يدنسونه بنتانة جلودهم و يبدلونه جلوداً غير جلوده ..
و كما غزوا أرضنا أولاً و كانت رقاب أهلينا حد السيوف و كلومهم تقطر بالدماء .. فاليوم يغزون الحاضر بتضليل الماضي و بتبجيل المستقبل تداعياً للتطوير و أحياناً تفسر بأنها لدواعي أمنية .. و يتخذون من عقولنا مواقع لمعاركهم و من قلوبنا خنادق و فخاخاً لـ حروبهم الهوجاء .. و نحن نفرد الوجوه لهم بالابتسامة و نشوش بالرؤوس لهم تحية و سلاما ..
و نَشيشُ لحومنا نسمعه في مقلاة الصغير منهم قبل الكبير يقلّبها كيف يشاء .. فيتغذون على عُراق الأمة و يصنعون من مائها مرقاً طعماً يبلّون به الثرد و الهشم و يأكلون الطبق الأزكى الذي ما كنا لنجيد غيره .. و يصحّون على جوارشات أبداننا و يطببون بها ..

أما عن عتق رقاب العبيد و هم أحرار .. و تحرير الملوك و هم عبيد .. و استرداد الكرامة مما أكل السبع قبل الأرض .. و الملك الموقوذ قبل الكرسي - ذلك لأنه لا كرسي دون ملك .. و الملكة المنخنقة قبل التاج - ذلك لأن الملكة لا تؤدي دورها دونه .. فقد يكون - و أقول قد - على يد من " تحسبها خرقاء و هي صَنَاع " ..
نهايةً :
قد يكون ما كتبته أعلاه ثرثرة جذاذ باطلة على أطلال ثغر صباح باسم - أنهاكم عن امتهان الموضوع و تكرار الغرض - إنما أعلّم على انبثاق الصيغة و تجديد المفردة و التفاف التركيبات قليلاً لغرض التلطيف المسلّ لا للتعقيد المملّ المخلّ ..
و انحني لمبدأي الذي يحكي أنه : لا عيب في الثرثرة ما دامت ستبقي علي متحدثاً ..
و سلام الله عليكم و رحمته و بركاته ..



__________________
لست ادعّي .. إنما أنا كما أرى ..
منقول