اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل .. ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول ..
((( اللهم إني أشكـــو إليك جَلَـد الفاجر .. وعجز الثقـــة .. )))
وقد سجل التاريخ هذه الكلمة للفاروق الرجل الملهم الغيور على مصلحة دينه وعلى أبناء أمته .. وحفظها طيلة القرون الماضية كواحدة من ذخائر الفكر الإسلامي التي تصور حالة غريبة من الحالات التي يمر بها العقل المسلم .. يكون فيها صاحب المبادئ شخصاً ضعيفاً مسلوب الإرادة .. عاجزاً عن المقامة مستسلماً للتيار .. تخور قواه .. وتخذله إرادته وتطيش سهامه .. ويقرر الإنكفاء على نفسه والتراجع عن مواقفه .. والسبب يعود إلى القوة التي يظهرها أصحاب الإتجاه المضاد أولئك الذين يحاربون المبادئ ولا يدخرون وسعاً في الترويج لمشاريعهم الهدامة .. ويحتالون لها بشى الوسائل والحيل .. واللافت أنهم ينجحون في حين يخفق خصومهم الشرفاء الذين سرعان ما تنقطع أنفاسهم .. وتتكسر عصيهم ويئثرون الصمت الطويل كخيار يحتمون به من أخطار المواجهة مع الخصوم الأقوياء .. !! أي حالة غريبة هذه .. وأي هزيمة يمنى بها المجتمع في رجاله الثقات الذين رضوا من الغنيمة بالإياب .. وآثروا راحتهم على مستقبل مجتمع بأكمله كانوا خليقين لو توافرت لهم بعض الشجاعة أن يساهموا في النهوض به وحمايته من تجار العبث واللهو والفكر الرخيص .. ترى ألا يحق لنا أن نتساءل إزاء هذا التخاذل المكشوف .. من أحق باللوم والتوبيخ ..
هل هم المفلسون من القيم .. المغيبون عن ذواتهم الذين ضعفت لديهم الرؤية .. وفقدوا القدرة على تحديد الطريق الأجدر بالإنسان الناضج .. أم هم أولئك الذين عرفوا وتراجعوا عن أدوارهم الحضارية في تعريف الجاهل .. والأخذ بيد الحائر.. وحماية المجتمع من المتطفلين والأدعيـاء ؟!
إن ما يدمي القلب ويجلب الهم والنكد أن نرى أشخاصاً يتمتعون بالكثير من الوعي .. والكثير من الخير المخبوء في سرائرهم لكنهم _ مع الأسف الشديد _ لا يثقون في إمكاناتهم .. ولا يطمئنون لقدرتهم على المشاركة في التأثير في الأحداث والمواقف العامة ..
وهكذذا ينطبق عليهم قول االشاعر ..
ويقضي الأمر حين تغيب .. ولا يستأذنون وهم شهود
لقد تدثر هؤلاء بلحاف الكسل .. وركنوا إلى الأحلام والمنى عساها تنوب عنهم في تجسير الصلة ما بين القيم العليا وما بين واقع الناس وركبوا مركب العجز فأنزلهم أرضاً قاحلة ليس فيها ري ولا زرع ..
تبلد في الناس حسن الكفاح .. ومالوا لكسب وعيش رتيب
يكاد يزعزع من همتي .. سدور الأمين وعزم المريب
مجلة الفرقان / 21/1/1424 هـ
--------------
الروابط المفضلة