بسم الله الرحمن الرحيم
::
~ [ ~أخلاقيات الحوار و النقاش ..
.. سلوك حضاري و منهج إسلامي~ ] ~
::
تمهيد :
::
لعل الديباجة ما آلت إليه علاقاتنا الاجتماعية و العائلية و الإدارية و الاقتصادية مـن
تدهور و تفرقة و مدى العوائق و المشكلات المتفاقمة يوميًّا سواءً بين الفرد و الآخر
أو الفرد و مجتمعه من فتنة و كراهية و عنف و تعصب للرأي و تزايد في الخلافات
التي تكون غالبا نتيجة الإسفاف وفحش القول وانتهاك للحقوق و تقاعس فـي تأدية
الواجبات و انتشار الاستبداد و التعصب للرأي في المجتمعات و التي يكون أسـاسها
دائمًا سوء في الحوار وغياب مبدأ الشورى وثقافة المناقشة وتبادل الآراء والأفكار
و الاقتراحات بأدب و موضوعية ..
::
وقفة:
::
و هنا لا بد أن تكون لنا وقفة!
وقفة في فن الحوار و النقاش الناجح و الهادف الذي يساهم في تنميـة
روح الإخاء والمحبة و إلى الإصلاح و تحقيق الخير و الـسلامة العامة
::
::
ما هي حاجتنا للحوار و ما هو المبتغى منه؟
::
حاجتنا للحوار وآدابه ليست نظريّة لفظية تجريديّة تتناقلها الألسنة وتكتب فيها
المقالات و النصوص ، بل يجب أن تكون فعلا و منهجا و تطبيقا عمليًّا نسير عليه
خصوصا أنّنا أمة مسلمة و داعية إلى التوحيد هدفنا يتمثل في:
- إقامة الحجّة و دفع الشبهة و إعلاء راية الحق و إزهاق الباطل بالكلمة الطيّبة
و اللطيفة و المؤدبة
قال الله تعالى [ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل 125]
- تصويب الخطأ و نصح المقصّر و تزكية النفوس و المسارعة في الخيرات
- تقريب مواطن الاتفاق والتعرّف على شخصيّات النّاس وآراءهم وطريقة تفكيرهم
- كسب ثقة النّاس و التأثير عليهم لا بهم مع التزام روح النقد البنّاء
::
أهميّة الحوار في حياتنا اليوميّة و ما ورد عنه في القرآن الكريم
::
فالحوار إذن ضرورة إنسانيّة و سلوك حضاريّ و منهج إسلاميّ يقوم على التفاهم و التجانس
في كثير من المرافق الحياتية:
فالأسرة المسلمة يجب أن تحسن هذا المبدأ جيّدا فهي صانعة الأجيال و مربية الصغار
الذين يرفعون الراية ويؤدون الأمانة ولهذا وجب أن يسود التعامل بالحسنى و الشورى
ما بين الآباء و الأبناء و الأزواج و الزوجات لنجني ثمرة الأبناء الصّـالحين الناجحين
ففي هذا الباب [التحاور مع الأبناء] ذكر الله تعالى في آيات كريمات عن وصايا سيدنا
لقمان عليه السلام لابنه :
فقال الله عز و جل ( يَا بُنَيَّ لا تُشرك باللّه إن الشرك لظلم عظيم) [لقمان: 13]
و قد ذكر سبحانه و تعالى في كتابه العزيز عن :
- [التحاور مع أهل الكتاب] : في قوله -عز و جل- (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ
سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ) [آل عمران: 64]
- [التحاور مع المشركين] : في قوله -عز و جل- (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ
فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) [التوبة: 6]
::
ما هي الأساسيّات التي يبنى عليها الحوار؟
::
للحوار أساسيّات بمعنى أصول و مبادئ و منهجيّات يجب أن تتوفر في الشخص
المحاور و هي تتمثل في :
-التسلح بالعلم و المعرفة و التحصيل العلمي في الدعوة و الحوار بإقامة الحجج
و البراهين و الأدلة القاطعة على الطرف الآخر مع مراعاة صحة ما تقتبسه و تنقله .
حسب القاعدة التالية : (إن كنت ناقلا فالصحة ، وإن كنت مدَّعيّاً فالدليل )
و في قوله تعالى : { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي } (الأنبياء:24)
- تجنب كل ما من شأنه أن يؤدي إلى التناقض مع ضرورة الفهم الصحيح للحديث من
كلا الطرفين و سلامة كلام المناظر .
- تجنب الخوض في الأمور الدينيّة المحسومة شرعًا.
- التزام آداب الحوار و النقاش و البعد عن التعصب و الاجتماع على الحق و قصد
الصواب حتى لو كان من الطرف الآخر.
يقول الغزالي -رحمه الله- : ( التعاون على طلب الحق من الدّين ، ولكن له شروط
وعلامات ؛ منها أن يكون في طلب الحق كناشد ضالّة ، لا يفرق بين أن تظهر الضالّة
على يده أو على يد معاونه . ويرى رفيقه معيناً لا خصماً . ويشكره إذا عرَّفه الخطأ
وأظهره له )
::
ما هي الآداب التي يجب أن تلتزم بها في حواراتنا و مناقشاتنا؟
::
للحوار آداب و معاملات و سلـوكـيّات يـجب تطبـيقها لـجني اليانع النضر منه
بالإضافة إلى تمتين الروابط والعلاقات الأخوية ما بين المتحاورين وتتمثل في:
- الكلمة الطيبة مفتاح القلوب القاسية الغليظة فليكن حديثكِ قولاً حسنًا و حديثًا طيبًا
و اجتنبي أساليب التجريح و الاستفزاز و الهجوم الحاد
قال الله تعالى : { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَن }(الإسراء :53)
- التواضع و عدم التعالي و التكبر و الإعجاب بالنفس باستخدام ضمير المتكلم
"أنا" كـ فعلت / عملت ، و أيضَا بقبول الاختلاف و الصبر على الرأي حتى و لو كان مخطأَ مع الاتصاف باللباقة و الثقة و قوّة الشخصيّة و حسن الخلق
- الالتزام بالوقت المحدد للكلام و ترك الفرصة للآخر و البعد عن الحديث الطويل
الذي يورث الإعجاب و حب الثناء
يقول ابن عقيل في كتابه فن الجدل : ( وليتناوبا الكلام مناوبة لا مناهبة
حيث ينصت المعترض للمُستَدِلّ حتى يفرغ من تقريره للدليل ثم المُستدِلُّ
للمعترض حتى يُقرر اعتراضه ، ولا يقطع أحد منها على الآخر كلامه
وإن فهم مقصوده من بعضه )
- حسن الإنصات و الاستماع للرأي الآخر مع التركيز في الإصغاء إليه
لأن ذلك من الاحترام و التقدير ، يقول ابن المقفع :
( تَعلَّمْ حُسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام ومن حسن الاستماع:
إمهال المتكلم حتى ينقضي حديثه وقلة التلفت إلى الجواب والإقبال
بالوجه والنظر إلى المتكلم والوعي لما يقول )
- إخلاص النيّة لله عز و جل و التجرد من التعصب لمذهب أو فكرة
قصد التجرد من حب الظهور أو أمراض القلوب الأخرى
- الحديث بلغة سلسة مفهومة تمتزج معها قوّة البيان في ضرب
الأمثال و التقيد بفصيح الكلم و ألطفه
- تجسيد مقولة: ( رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي الآخر خطأ يحتمل الصواب )
فكلنا بشر يُحتمل الخطأ و الصواب في آرائنا و مقترحاتنا ب
الإضافة إلى الاعتراف بالخطأ و التسليم به وعدم الافتراء
بعلم قضية ما أو الترفع عن قول لا أعلم .
::
و أخيرا أخواتي الفضليات .. فلتكن كلُّ واحدة منكن شمعة لا تذبُل و شُعلةَ لا ينقص وميضها
فلتتمسكِي بمبادئكِ الإسلاميّة و لتمضي داعِية لله بالحكمة و الكلمة الطيّبة و الموعظة الحسنة
و بذلك تكونين قد بلغتِ الرّسالة و أديتِ الأمانة و تعلّمتِ فنَّا يجهله الكثير .. إنّه فن الحوار ،
::
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وألبسـه عبـاءة الإيمـان و اغفر
لنا خطايا و زلاتنا و اصـفح عنا يا كريم يا رحيم و آخر دعـوانا أن الحـمد
لله ربّ العالمين وصلّ الله على الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم
::
و السّلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
بقلم أختكن : طيف الماضي
الروابط المفضلة