السَّلَفِيَّةُ... السَّلَفِيَّةَ السَّلَفِيَّةَ!!
السَّلَفِيَّةُ... السَّلَفِيَّةَ السَّلَفِيَّةَ!!
... لا تزالُ تداعِياتُ ما وَقَعَ في (غزَّةَ = رَفَح) -قبل أيَّامٍ- تتفاعلُ على كثيرٍ مِن المستوياتِ -سياسيًّا ودينيًّا، داخليًّا وخارجيًّا، عربيًّا وإسلاميًّا وعالميًّا-؛ آخِذَةً العديدَ مِن الأبعادِ -وباتِّجاهاتٍ شَتَّى -سلباً وإيجاباً-!!
والذي يَهُمُّنا طرحُهُ ومُناقشتُهُ -الآنَ-: ما يتَّصِلُ بدعوتِنا السلفيَّةِ المُباركةِ، والتي غَدَا (!) ذِكْرُهَا -عند عددٍ مِن السِّياسيِّين، والصَّحافيِّين!- كالكُرَةِ؛ تتقاذفُها الأقدامُ في أيِّ ميدان! وتَلوكُها الأقلام على كُلِّ لِسان!!
ومِن جُملةِ تِلْكُمُ التَّداعياتِ -المُشارِ إليها- آنِفاً-: مقالاتٌ، وردودٌ، وآراءٌ، وأفكارٌ؛ تُنْشَر -وتَنْتَشِرُ- هُنا وهُناك وهُنالك؛ أكثرُها لا تحقيقَ ولا عَدْلَ فيه! وجلُّها يَحْمِلُ التشويهَ والتَّمْويه!!
وقد يقولُ قائل، أو يسألُ سائل: ما الدَّافِعُكَ إلى هذا المقال -في هذه الأحوال-؟!
فأقولُ: قرأتُ تَعْلِيقَيْنِ كَتَبَهُما شخصانِ -في جريدةٍ أُرْدُنِّيَّةٍ سائرةٍ! - عَلَّقَ الكاتبانِ -فيهما- على مقالٍ كَتَبَهُ صُحُفِيٌّ مشهورٌ (!) حَوْلَ ما جَرى في (رَفَح)؛ مُتَطَرِّقاً -ضربةَ لازِبٍ!- إلى الغَمْزِ بالسَّلَفِيَّةِ، واللَّمْزِ بدُعاتِها!
والذي يَسْتَرْعِي النَّظَرَ والانتِباهَ -ثَمَّةَ-: أنَّ التَّعْلِيقَيْنِ المذكُورَيْنِ مُتعاكِسان مُتضادَّان -وإنْ نُشِرا بجانِبِ بعضٍ! في صفحةٍ واحدة!! وجريدةٍ واحدة!!! -كما أسْلَفْتُ!-؛ حيثُ كان عُنوانُ التَّعليقِ الأَوَّل: (السلفيَّة هي اتِّباعُ الكتابِ والسُّنَّةِ)، وكان عُنوانُ التِّعْلِيق الثاني -وراءَهُ مُباشرةً!-: (خَطَر السَّلَفِيَّة)!!
والتَّبايُنُ والتغايُرُ واضِحانِ -جدًّا- في ذَيْنِ التعليقَيْن بأدنَى نَظَرٍ في العُنوانَيْن!!!
فإذا كانتِ (السَّلَفِيَّةُ) -الحَقَّةُ- هي (اتِّباعَ الكِتاب والسُّنَّة) -وهي- حقًّا- كذلك-؛ فإنَّها لمْ تَكُنْ -يوماً-، ولنْ تكونَ -يوماً- (خطراً) -أيَّ خَطَر!!سارَتْ مُشَرِّقةً وسِرتَ مُغَرِّباً * * * * * * شتَّانَ بين مُشَرِّقٍ ومُغَـرِّبِ!
بل الدَّعْوَة السَّلَفِيَّة الحقَّة صِمَامُ أمانٍ للبِلادِ والعِباد -كما هو محسوسٌ مُشاهَد-...
والتاريخ يَشهد...
فأيُّ تناقُضٍ أشدّ مِن هذا؟!؟
... والإسلامُ دينُ السَّلام...
دينُ الرَّحْمَة...
دينُ البِرّ...
ولَعَلَّ مَكْمَنَ الغَلَط -والخَلْط!- عند ذاك الغالِط -ناشئٌ عن مُغالَطَةٍ يُمارِسُها البعضُ تعمُّداً! ويقعُ فيها بعضٌ آخَرُ جَهْلاً!!
ذَلِكُم أنَّ المُتَعَمِّد (!) مُصَمِّمٌ -لحاجةٍ في نفسِهِ!- على عدم توضيحِ حقيقةِ (السَّلَفِيَّةِ) العلميَّةِ المعتدلةِ، السائرةِ على منهجِ العُلماءِ الربَّانِيِّين، المُعَظِّمِين للكتابِ والسُّنَّةِ- وما فيهِما مِن الدَّلائل-، والضابِطِين أفهامَهُم ومواقِفَهُم على وَفْقِ سبيلِ سَلَفِ الأُمَّةِ الأوائل -مِن أهلِ القُرونِ الثَّلاثَةِ المشهود لها بالخيرِيَّة، على لسانِ خير البَرِيَّة -صلى الله عليه وسلم-، والبعيدةِ كُلَّ البُعْدِ عن جميعِ تِلْكَ الأفكارِ المُنحرفةِ الغالية -(مِن: الغُلُوّ!)-؛ المُخالفةِ لنُصوصِ الشريعة، والمُناقِضَةِ لمقالاتِ عُلمائِها البديعة: مِن تكفيرٍ مُنْفَلِتٍ، وجهادٍ أهوجَ، وغَدْرٍ ظالمٍ!!
بينما تَرَى مَنْ يُوصَفُونَ بـ(السلفيَّةِ الجهاديَّة!)، أو (السلفيَّة المُتَشدِّدَة!) -وما في أمثالِ هذهِ الأسماءِ أو المُسَمَّيات!-كَثْرَةً أو قِلَّةً- تُبنَى أصولُهم -القوليَّةُ والعمليَّةُ- على ذاك التكفير الباطِل، وهذا الجهاد المُدَّعَى، وذيَّاك الغَدْر العنيف-فوا أسَفي الشديد-!!
وأهمُّ ما يتميَّزُ به -وينكشفُ بسببِه!- هؤلاء المُنْتَسِبُون -زُوراً- للدَّعْوَةِ السلفيَّةِ النَّقِيَّةِ: أنَّهُم يطعنُونَ بالعُلماءِ الربَّانيِّين -أولاً-، في الوقتِ الذي ليس بينهم -فيه- عالمٌ شرعيٌّ حقٌّ -ثانياً-!
وكما قيل -قديماً-: فاقد الشيءِ لا يُعطيهِ!!
بل -مِن حيثُ الواقِعُ- إنَّ أَلَدَّ أعداءِ هؤلاءِ المُنْتَسِبِين زُوراً للدَّعوةِ السلفيَّةِ -وهي منهُم بَراءٌ- هُم أولئك السلفيُّون الصادِقون في منهجِهم، الأُمناءُ في دعوتِهم -كما هو ظاهرٌ لِذِي عَيْنَيْن-؛ لِمَا يُواجِهُونَهُم بهِ -قديماً وحديثاً- مِن نقدٍ وَرَدٍّ وتَعَقُّبٍ؛ ليس ردودَ أفعالٍ (!)؛ وإنَّما: انتصاراً للحقِّ، وتمييزاً للصواب..
وليس يَخفَى على أيِّ مُراقبٍ -ولو كان غيرَ مُدقِّق!- أنَّ عُلماءَ الدَّعْوَةِ السلفيَّةِ الحَقَّةِ الصافيةِ الكِبَار، ودُعاتَها الأبرار- على اختلافِ دَرَجاتِهم العلميَّة- أجمعين- مُجمِعُون الإجماعَ العِلْمِيَّ الواقعيَّ المُعْتَبَرَ- على الاستنكارِ الشرعيِّ -لا السياسيِّ، أو الصحافيِّ فقط!- لسائر الأحداث الهوجاء التي طالمَا ارتُكِبَتْ باسمِ عُموم (الإسلام) -تارةً-، أو باسمِ (السلفيَّة) -تارةً أُخرى-!! وذلك مِن قبل (11/9 =تفجيرات أمريكا)، ومُروراً بِـ(9/11=تفجيرات عمَّان)، وانتهاءً بسائرِ ما يُشابِهُ هذَيْنِ الحادثَيْنِ -بآثارِهما الفظيعةِ الشنيعةِ- في عددٍ مِن بلادِ الدُّنيا؛ والتي ضرَّتْ -أكثرَ ما ضرَّت- المُسلمين، وجرَّت عليهم ما لا قِبَلَ لهم به مِن الفِتَنِ والويلات، فضلاً عن إحياءِ الحِقد المُشِين الدَّفِين!!
ولا ينبغي -ألْبَتَّة- أنْ تُقاسَ أفكارُ أيِّ أحدٍ مِن النَّاس -كائناً مَن كان -صواباً وخطأً- فضلاً عن أنْ يُحْكَمَ عليهِ- بِصُورتِهِ النَّمَطية السَّائدة! ولا بمجرَّدِ ما شُهر عنه! أو عُرِف به!!
وإنما تُقاسُ أفكارُهُ بحقيقةِ أمرِهِ الواقعيَّة -فيه-، والمجرَّدة عن مُرادات بعضِ الساسة، وعَبَثِ أهل الصحافة -{إلاّ ما رَحِمَ رَبِّي}-؛ مِمَّنْ قد يُصوِّرون بعضَ الأمورَ (!) على صورةٍ تُخالفُ حقائقَ الأحوال -تسويةً لحسابات! أو تصفيةً لخُصومات-!!
ولقد كتبتُ -قبل بضعةِ شهورٍ -مقالاً حولَ هذا الموضوعِ -نفسِه-، قُلتُ فيه:
«لقد حَذَّرْنا مِراراً، ونبَّهْنا تَكراراً -ومنذ سنواتٍ وسنوات- أنَّ هذه الأفكارَ الغاليةَ التي تَنسِبُ نفسَها للإسلامِ -والإسلامُ منها بريءٌ- هي مِن أعظمِ أسبابِ إساءة الظنِّ بالإسلام، والخوف منه، والرُّعْب مِن مجرَّد ذِكر اسمِه؛ حتى أطلق بعضُ مُفَكِّرِي الغرب (!) على هذا الوَهَم الكبيرِ مُصطلحَ: (الإسلام فوبيا)، أي: الخوف من الإسلام -إمعاناً في الباطلِ-!!!
لقد قَلَبَ هؤلاء (المُكَفِّرُون) -بأعمالِهم الدنيئة، وفعائِلِهِم غير البريئة- معانيَ الإسلام الحقَّةَ السَّمْحَةَ إلى عكسِها، وما يضادُّها:
فاللهُ -تعالى- يقولُ: {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }...
وهُم يقتُلُونَهم، ويُقَتِّلُونَهُم، ويفعلونَ معهم الذي هو أسوأُ وأخشنُ!!
[فضلاً عن عُمومِ أهلِ الإسلام]..
واللهُ -تعالى- يقولُ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِين}.
وهُم جعلوا أحكامَ الإسلامِ تحملُ معنى البلاء والسُّوء والنِّقمة...
ورسولُنا الكريمُ -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: «بشِّروا ولا تنفِّروا».
وهُم يُنَفِّرونَ، ولا يُبَشِّرون!!
ويقولُ -صلى الله عليه وسلم-: «يسِّروا ولا تُعَسِّروا».
وهُم يُعَسِّرونَ، ولا يُيَسِّرون!!
ويقولُ -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّما أنا رحمةٌ مهداةٌ».
وهُم جعلوا الهديَ النبويَّ كأنَّهُ ضِدُّ ذلك، ونقيضُهُ!!
... أينَ هؤلاء مِن العلمِ الشرعيِّ، والفقه الدينيِّ؟!
أين هؤلاء مِن الرحمةِ بالخلقِ، والدعوة إلى الحقّ؟!
أين هؤلاء مِن أدب الإسلام، وأخلاق أئمَّتِهِ الأعلام؟!
[وأمَّا ما (قد) يتعلَّلُ به بعضُ هؤلاء الغُلاةِ (!) مِن أنَّهُ يُوجَدُ في بلادِ الإسلامِ -بعضاً أو كُلاًّ-] أخطاءٌ، ويوجدُ نقصٌ، ويوجدُ تقصيرٌ:
فلا أحدَ -لا مِن الحكام، ولا من المحكومين- يُكابِرُ في هذا، أو يُنكِره...
مع أنَّ هذا -مِن الناحية التاريخيَّةِ المَحْضَةِ- ممّا لم يَخْلُ منه عصرٌ إسلاميٌّ -ولا بلدٌ إسلاميٌّ- منذ انقضاءِ عصر الخليفة العادِل عمر بن عبد العزيز -رحمهُ اللهُ- على تفاوُتٍ لا يُجْحَدُ-.
ولكنَّ هذه الأخطاءَ -فضلاً عن ذلك النقص أو التقصير- لا تُسَوِّغُ -بأيِّ حالٍ مِن الأحوالِ- هذا التقتيلَ الأعمى، وذاك التفجيرَ البهيمَ، الذي ينالُ كثيراً مِن المُسْتَأْمَنين، ولا ينجو منه أعدادٌ -قَلَّت أو كَثُرَتْ- مِن المسلمين!! فضلاً عمَّا يُسبِّبُهُ مِن إخلالٍ بأمنِ المؤمنين، وزلزلةٍ لسكينةِ الآمِنين...
إنَّ (الفكرَ التكفيريَّ) -بكافَّةِ مدارسِهِ، وأشكالِه، ودَرَجاتِه!- وتحتَ أيِّ نسبةٍ أو اسمٍ!- فكرٌ ضالٌّ مُضِلٌّ، فكرٌ ظالمٌ غاشمٌ؛ فكرٌ أساءَ للإسلامِ وأهلِه: أكثرَ مِن إساءَتِهِ (لغيرِه)؛ في تفجيرِه، (وتكفيرِه)، وقتلِهِ!!!».
وبعدُ:
فإنَّ السلفيةَ الحقَّةَ -بصفائها، ونَقائِها- لا ترضَى، ولنْ تَرْضَى -مِن قبلُ ومِن بعدُ- أنْ يكونَ لها أيُّ صلةٍ فِكريَّةٍ -أو علميَّة، أو دعويَّة، أو سياسيَّة -بمثلِ هذه الحَرَكاتِ الكثيرةِ الأغلاط، والمُخالفةِ لسويِّ الصراط؛ لا هُروباً مِن واقع، ولا تنصُّلاً مِن مسؤوليَّة، ولا نَأْياً بنفسٍ، وإنَّما: إحقاقٌ للحقِّ، وإظهارُهُ لكافَّةِ الخَلْق، وخوفٌ مِن الربِّ، وحِرْصٌ على الأُمَّة..
هذه هي (السلفيَّةُ) الحقِّةُ النقيَّة؛ فافْهَمُوها، ولا تَنْسِفُوها!!
فـ:
(السلفيَّةَ السلفيَّةَ) -يا عُقلاءَ الإنسانيَّة -ولا أقولُ- فقط!-: أيَّتُها الأُمَّة المحمَّدِيَّة-؛ فحاذِرُوا أنْ تُغالِطُوها، وأنصِفُوها...
* * * * *
الروابط المفضلة