بسم الله نبدأ , وعلى هدي نبيه صلى الله عليه وسلم نسير, وبعد..
دائماً تكون تجارب الآخر موعظة للأنــا , لذا جعل الله تعالى القصص عبرة , يعتبر بها السامع , وتزداد بها تجاربه , حبذا لو كان هذا الآخر من أولي النهى والألباب , أو ممن جعلهم الله مفاتيح للهدى , يفتحون للأمة من الخير كل باب , ويتخذوا في ذلك ما استطاعوا من الجهد والأسباب, لذا تجد هؤلاء الدعاة البررة أفعالهم نبراساً , وسلوكهم في حد ذاته دعوة , ومعنا الآن يوميات لأحد الدعاة , أصوغها لكم عسى أن يستفيد منها القارئ أويصيب صاحبها دعوة صالحة بظهر الغيب ينتفع بها من كتب ومن قرأ, وهذه اليوميات تعبر عن تجربة الداعية خلال العشر سنوات الأولى من اتجاهه الإسلامي , ونبدأ معه بداية الطريق منذ التحول من التيه والظلمات إلى الركون إلى رب الأرض والسماوات , وسنكتفي بإذن الله تعالى من كل عام بورقة تبين ما كان يمر به وما قابله من توفيق الله له وما كان من دلالته على الخير , وكيف كان الأخذ بالأسباب للارتقاء بالنفس من تيه الشهوات إلى العمل لإرضاء رب البريات.
الورقة الأولى : من مذكرات العام الأول للالتزام :
كتب قائلاً : سبحان الله ما أجمل الدين وما أهون الدنيا , ما أبدع سماع القرآن وما أسوأ سماع الغناء رقية الشيطان , ما أحب الرفقة الصالحة وأحنهم وأرأفهم وما أفسد رفقة السوء , الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي إلا أن يشاء , ما أجمل القرب من الله والاطمئنان بذكره وما أوحش البعد عنه ويالها من وحشة , أحس بأنني إنسان جديد , أي والله , تغير الكون من حولي , فقدت شهوات البدن من صحبة أصدقاء الدنيا وصديقاتها ولكنني والله وجدت نفسي أخيراً
يا ربي .... إني أريد أن يسمع صوتي كل محروم ... وكل من كان للخير والسعادة يروم ....ها هنا السعادة ...في المسجد ...في المصحف .... في الكتاب .... في الشريط الطيب .....في السلام عليكم .
يا إلهي تغيرت والله ملامحي .... تغير شكلي وطريقة ملابسي ...تغيرت حتى نظرة الناس إلي ...... أصبحت أنظر للدنيا وبهرجها بنظرة جديدة , بعد ما كان كل همي منها المظهر , والمرح واللهو , أحس بأني أصبح لي هدف , إني أشعر لأول مرة أني مخلوق لغاية , وكأني من قبل لم أقرأ في حياتي آية, الله يقول { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ..... الحمد لله ...الحمد لله ...الحمد لله ...كنت دائما من قبل أسأل نفسي سؤالاً عابراً هل سأكون من أهل الجنة , فيرد شيطاني مسرعا ً دعك من هذا, الجنة أهلها كثير وما عليك ... أنت منهم ...ولكني لم أفكر إلا قريباً جداً كيف أكون منهم وما السبيل إليها , أما اليوم فأحس أني منها أقرب , وأصبح اهتمامي بشأنها كبير , فالحمد لله العلي الخبير .
الورقة الثانية : من مذكرات العام الثاني للالتزام
سبحان الله يالها من صحبة رائعة , ورفقة طيبة رفقة هؤلاء الكرام من أهل الالتزام , ولكني أحس بوحشة في نفسي , لقد افتقدت أصدقائي القدامى , إني أريد أن أنقذهم.... ولكني أخاف على نفسي أن أميل إليهم فأضيع ويضيعوا معي , ..يا إلهي ما العمل , أأتركهم , أم ماذا أفعل حيالهم , من الأفضل أن أسأل من أكبر مني وأسبق في طريق الخير عسى أن أجد عندهم ما يشفي صدري ويريح ضميري, فأنا احب أصحابي القدامى , ولكني أحب طريق الله أكثر , ولا أريد أن أفقد الطريق وأنا لا أملك ما أشدهم به إليه .
سبحان الله حقاً صدق الله { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } , فعلاً ما أخبرني به أخي الملتزم طالب العلم هو الحل , وهو أن أنتظر عليهم قليلاً , وأن أتزود من العلم ما أستطيع به أن أدعوهم إليه , وأن أصلح من نفسي بداية حتى يكون سلوكي وفعلي لهم دعوة , فعسى أن يأتي الله بهم , لما يرون من حسن تغيري , اللهم وفقني يارب العالمين , سأعمل بنصحه لي في قيام الليل والدعاء لأصحابي عسى أن يكونوا إخواناً لي في الله في يوم من الأيام
الورقة الثالثة : من العام الثالث من الالتزام:
الحمد لله ..الحمد لله ... لم أكن أبدأ أتوقع أن تأت النتيجة بهذا الوجه .... ما أحب أخواي الجدد في الله إلى قلبي بعدما ودعا حياتهما القديمة , وأصبحا لي أخوان , بعدما كانا من قرناء السوء والشيطان , الحمد لله ...الحمد لله ...اللهم أت بالبقية يا رب العالمين .
ولكن وقع كلام أخي طالب العلم بالأمس يهز كياني .... كنت أظن أنني هكذا أصبحت كامل الالتزام .... فالناس ينادونني بالشيخ فلان ....وأهل الالتزام يدعونني بالأخ علان ..... ولكنه يقول أن هناك فرائض تنقصني لم أحصلها بعد .... يقول أن هناك علوم فرض علي أن أعرفها ...ثم فرض علي أن أعمل بها لأصلح ما بداخلي من خلل يتعلق بما تعلمت ....ثم فرض علي أن أدعو غيري إليها ليعمل بها ..... ثم يقول أننا الآن فقط في بداية الطريق .... والجنة تحتاج للمشمرين والمجتهدين ....
يااااه .... حقاً كلامه صحيح , والله إني أحس أنني كالعود الأخضر الذي يحتاج إلى أن يشتد وإلا كسر , ولن أشتد إلا بنور العلم , وسقاية العمل , والتغذي بهدي النبي صلى الله عليه وسلم , ولكن هل يا ترى الطريق صعباً ..... إني الآن أداوم والحمد لله على قيام الليل , وصيام النوافل , وأذكار الليل والنهار , ولي ورد من القرآن ..... أحس فعلاً أن بداخلي نوراً , ولكنه خافت , وأحس والله بأن بداخلي طاقة ولكنها كامنة , وأنه لن يوظفها إلا العلم والعمل , اللهم أبعد عني إحساسي بضعفي , وارزقني أخذ الكتاب بقوة وعزم , وجنبني الكسل والخور , وارزقني الحزم , اللهم إني نويت سلوك الطريق فاهدني يا ربي , وارزقني فيه السداد والتوفيق.
الورقة الرابعة :من العام الرابع للالتزام :
الحمد لله انتظامي في الدراسة الشرعية بمعهد الدعاة أعطاني دفعة قوية وبدأت أفهم وأعي كثيراً مما يدور حولي , بدأت أتعرف على الله بأفعاله وأسماءه وصفاته , فأتقرب إليه , وبدأت أعرف الشرك بأدرانه وأفاته , فأفر منه وأنبه عليه , بدأت أعرف كيف تصبح عبادتي صحيحة وليست كما علمني أبي وأمي ,.... فهذه طريقة فاسدة ان يظل المرء يعبد الله بطريقة الآباء وليس بمراد الله , فهذا نفس ما احتج به المشركون من قبل { إنّا وجدنا آبائنا على أمة وإنّا على آثارهم مقتدون }
بدأت أحس أن العود يشتد , وأني بدأت أصبح كالشجرة , ولكن اصبح الآن هم الدعوة إلى الله يدافعني , هل سأستطيع في يوم من الأيام أن أن آخذ بيد الأنام , لنقوم سويا للعليم العلام , ياااه هل سأقوى على توصيل الخير للناس , وهل سيفسح لي المجال لذلك , وما هو السبيل للدعوة إلى الله , عموما مما تعلمت أصبحت أوقن أن التدرج في كل شيء مطلوب , سأدعوا الأقرب فالأقرب أبدأ بأهل بيتي ثم الأقرب من إخواني أدلهم وأعلمهم ما أتعلم , فهو دعوة لهم وخير لي ومراجعة للعلم حتى يثبت , وعلي أن أتحمل مشاق التعلم من مال ينفق , أو وقت يصرف , فوالله ما يصرف إلا في الخير , وفي سبيل الله , فالله المستعان !
الورقة الخامسة : من العام الخامس للالتزام
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات , لقد من الله علي في نهاية هذا العم بالانتهاء من الدراسة بمعهد الدعاة , وحصلت على مرتبة متقدمة بين أقراني , ولكن المفاجأة الحقيقية هي أن يسند إلي دور في المركز الإسلامي الكبير الذي يمثل أهل السنة بالمدينة , سبحان الله ما أبعد شبه اليوم بالبارحة , لقد التزم معظم أصدقائي القدامي , والعجب أنني بانشغالي بالدراسة الشرعية لم أكن كثير الدعوة لهم ولكن أعجبهم السلوك والمظهر , فسبحان الله الآن هم يرافقونني ولا يتركوني , ويسألوني عما اعرف ولا يعرفوا , بل الأكثر من ذلك أنني بعد أيام سألقي أول محاضرة لي , ومن سيكون الجلوس , إنهم هم ... نعم الملتزمون الجدد من أصدقائي القدامى الذين أصبحوا إخوة لي في الله , يا الله ما اسعد القرب منك , والالتجاء إليك , وما أسرع إجابتك دعاء المحتاج , وإن أخرت الإجابة فلحكمة لا يعلمها إلا أنت يا عظيم , الحمد لله العلماء يقولون أن على الداعية أن يرمي البذر ويتعهده , وليس عليه أن ينتظر الثمرة , فثمرة الدعوة لا يملكها إلا الله وحده , ولكنك بفضلك يا ربي أريتني الثمرة فلك الحمد والمنة , ولك الشكر والفضل , وأسألك أن تيسر لي طريقي وتوفقني لما تحب وترضي..
الورقة السادسة : من العام السادس للالتزام :
سألت شيخي وأستاذي العالم المعروف , عن كيفية إكمال طريق العلم , فأجابني بألا أهمل الآن العمل بما تعلمت وأن أدعو بما تعلمت , فالدعوة إلى الله واجبة , ومع العمل والدعوة , تكمل طريق العلم , فالعلم لا ينتهي , ولا يختص بطائفة دون أخرى فكل مسلم مطالب به , ومع المحبرة إلى المقبرة , ولكن لا تكن كمن وقع في خطأ فادح بأن جعل العلم في نفسه غاية , ثم انشغل عن الدعوة تماما , بل أصبح عنده بعض القصور في العمل بحجة الانهماك في طلب العلم , هذا خطأ فلابد أن يكون المسلم شمولياً كما أن الإسلام يتميز بشمولية الشريعة , عليك بالارتقاء في العلم مع مداومة العمل به والدعوة إليه , فلن ينتهي العلم كما أخبرتك , فدعوت له وأمسكت بنصيحته بنواجذي , خاصة أن الرجل نفسه مثالاً لما قال فهو طبيب جراح , وعالم فذ , ومفوه معروف بارك الله فيه .
الحمد لله بعد عام من الدعوة أصبحت أحبها , بل لا أقدر أن أجلس فترة من الوقت بلا إلقاء خطبة أو درس , أو تعليم بعض إخواني ببيتي ما أجمل الدعوة , وحياة الدعاة وإن كنت أقلهم قدراً ومنزلة ً , ولكن سبحان الله , بدأ الشعور بالاحتياج للزوجة والرفيقة الطيبة يلح علي , ولكن الصعب في الأمر هو الاختيار , حبذا وإخواني ممن خاضوا معركة اختيار الزوجة يقولون إنها معركة صعبة , ولكن شيخي الفقيه العالم الكبير بالعاصمة , سمعته يقول في إحدى المحاضرات أن من عيوب بعض الملتزمين أنهم عند اختيارهم للزوجة يطالبون بشروط لو توفرت في شخص لصلح هذا الشخص أن يكون خليفة للمسلمين , هذا بجوار اشتراطا تهم المبالغة في جانب الجمال , وفي الحقيقة وقع كلام الشيخ مني أيما موقع فقررت أن اختار الدين على ما سواه , حتى وإن ضحيت في سبيل مطلبي للدين ببعض رغباتي الدنيوية ,
الورقة السابعة : من السنة السابعة للالتزام:
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات , جزى الله خيراً من اختارني زوجة لأخته , واختارها لي , ما شاء الله الزوجة الملتزمة عقلها راجح , وفعلها طيب , بالرغم من أنها عادية المظهر , إلا أنها والله كساها الله البهاء بدينها , فاللهم اجعلها زوجة صالح وأما صالحة لأبنائي , وعوناً لي على طاعته والسير في طريق النجاة ,الشعور بالمسئولية كبير على النفس , وهذه سنة الحياة , سبحان الله مع مرور الأيام , وفي ظل الحياة الجديدة , أشعر أنني بالأمس كنت أجاهد نفساً واحدة هي نفسي , أما اليوم فأنا أجاهد نفسين , نفسي ونفس زوجتي , فمهما بلغت المرأة , فالرجل في جوهر الأمر هو قائد البيت , ولكن يبقى النازع الديني للمرأة من بداية اختيار الزوج لها , فالوازع الديني للزوجة بقدر الله وقدرته يلعب دوراً بالغ الأهمية في سير الحياة الزوجية , ويكمن جوهر هذا الوازع في قبول الزوجة لأوامر الله ومدى انقيادها لشرعه ومحبتها لأمره , وطاعتها لربها , التي ستنعكس بدورها على طاعتها لزوجها , وقد رزقت بحمد الله بهذا النوع من النساء , فقد استخرت الله ثم اخترت صاحبة الدين أولاً وإن تنازلت بعد ذلك عن بعض شهوات النفس إلا أن الله يزيدها في عين زوجها جمالاً وبهاءً , بطاعتها لربها , ثم انقيادها لطاعة الزوج من منطلق التعاون على البر والتقوى , أما ما يطرأ على البيت من مشكلات زوجية , فهذه أشياء لابد منها , وبحمد لله لأنني كنت أحتاط دائما في الحفاظ على أسرار بيتي , مرت علي أموري بتوفيق من الله ورحمة , فنحن جميعاً بشر ولسنا بمعصومين , وعلى كل منا أن يتحمل رفيقه , فلا الرجل دائماً يبحث عن حقه فقط , ولا المرأة كذلك , وإنما ينبغي أن تكون هناك أمور يتم علاجها يتنازل كلا الطرفين عن بعض حقوقه , طاعة لله ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم بالنساء , وبيانه بأن خير الرجال خيرهم لأهلهم .
الروابط المفضلة