د.عبدالله مرعي بن محفوظ
هناك من يستغل الشفافية وتقبل المجتمع المدني لها، لكتابة (مقال) باسم الطرح الموضوعي ‏والنقد البناء، ولكن (الحاسد) في حقيقة الأمر، يسعى لقضية شخصية لغرض في نفسيته ‏المريضة، فيسن قلمه، ويسلط لسانه، ويختلق المؤامرات على من لا تستسيغه عيناه، ولا تطرب ‏له أذناه، بدافع الهوى أو الحقد! هؤلاء ابتلاهم الله بنوع من الخوف والغم والهم، فيحسبون كل ‏صيحةٍ عليهم، لأن قلوبهم ساحة للأحقاد والضغائن، وأرواحهم مأوى للوسواس الخناس.‏ وحتى أكون عادلاً في مقالي، يجب ان أوازن بين الطرح بالوقائع والشرح بالأدلة، لأن الشطط ‏والمبالغة فيها ظلمٌ للنفس وظلم للآخرين، لذلك أنا متيقن أن من يقرأ هذا المقال، سيجد انه ‏تعرض في حياته لموقف من احد الحاسدين او لذع من لهيب الحاقدين، خاصة حين يكون ‏الإعلام بنفوذه، ساحة لاستخراج هذا الحقد الدفين.‏ شخصياً لي تجربة مع احد المراوغين، الذين هم بين الخير والشر مذبذبون، عشت وقائعها مع ‏احد الإعلاميين، فجعل من مقالاته خلال العامين المنصرمين، شطحات وتلميحات بين الجدل ‏والهزل، ثم اختلق قصص الأصول ليسقطها في بئر العنصرية، وانتهى بعد ان أضناه التعب ‏بأنني اسعى لتحقيق مصالح شخصية.‏
في البدء، لم أبدِ اهتماماً لمقام الطرح وصياغة التعبير، فالهدف كان مكشوفاً لي من سنين، ‏ومع احترامي لرئيس تحرير الصحيفة التي نشرت المقال والذي كان ضحية لكاتب... يدعي الشفافية والحوار ‏البناء، ليكتب بصيغ تحقيق المصالح، مما جعلني أتوقف عند هذا الحد، ‏واتفاعل بالرد بعد ان سقط شرعاً في حقوق الآخرين، فوضع له عنوانا يستكين «حياة الفضل.. ‏وأخطاء الصحافة»،فحق عليه رد رئيس تحرير تلك الصحيفة في مقاله "قاتل الله الحماقة"؟.‏
تناقض غريب في تلك الجريدة، رئيس التحرير يشفي الصدور، وكاتب يتوعد بالثبور، ومع ذلك ‏لازلت أؤمن ان الصحافة والإعلام ميدان للحرية والشفافية، ومنبر يصدع فيه أذان الحقيقة، ‏وجامعة كبيرة نتعلم منها أسس التعاون البناء مع المجتمع المدني بصدر رحب وقلب مفتوح، ومن ‏هذه الجامعة اكتسبت مجموعة كبيرة من الأصدقاء والأحباب، يحملون الأهداف والمعاني ‏السامية، والذين أتشرف بمعرفتهم وأعتز بأخلاقهم. ‏
اليوم أريد محاكمة هذا (الحاسد)، واضعاً في مقدمة اهتمامي هدايته ودعوته للحق، مستخدما ‏الطرق القانونية والمحاكمة الشرعية، متبعاً بذلك نهج كبار علمائنا رحمة الله عليهم كالإمامين ‏ابن باز وابن عثيمين في لغة الحوار مع مخالفيهم، وطريقة نصحهم التي تحمل العبارات الرصينة ‏وتبيان الحق وإقامة الحجة، وان شاء الله سيظهر الحق قريباً، وحتى ‏ذلك الحين، سوف اكتب عنه بصفة العموم، مرتكزاً على مفردات القانون وصيغ البلاغة، وهي ‏كافية بأن توصل له الرسالة.‏
مجتهداً في طرحي بأدب الخطاب بقدر استطاعتي ضد ما صدر منه من اتهام وتجريح، وبأسلوب ‏شافٍ ومفيد، فاعتصر من الأخلاق ثمارها،‏ومن المعاني أنوارها، وأمسك قلمي وأكتب مستعيذاً ‏بالفرد الصمد، من شر حاسد إذا حسد، ومكر اللئيم إذا نسي الفضل وجحد!‏
فأيها الحاسد.. ما لك إذا أسبغالله تعالى على غيرك نعمة تأففت، وإذا هممت لفعل الخير توقفت، ‏فعلك شائع في جدة بين المسلمين، وسرك ذائع إذا قابلك المؤمن ‏وجدك هلوعاً، وإن مسّك الصدق جزوعاً، وإذا كتبت كذبت، وإذا خاصمت فجرت، رسالتي لك ‏‏(لا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل).‏
أيها الحاسد في صدرك نار موقدة، أبوابها موصدة، لا تعرفني إلا في حاجة وضيق، وتسألني ‏بمحيّا صفيق،‏وتتوسل لمصالحك بعذب القول الرقيق، وتناجيني مناجاة الصديق للرفيق،بينما ‏ضميرك في الأنانيةغريق، تتمنى للكندي أن يخطفه الطير، أو يهوي به الريح في مكان سحيق. ‏
أيها الحاسد لقد أسأت الأدب في حق الله، فتذلل إليه بالطاعات واحفظ أعراض الناس، واستغفر ‏الله، فذنبك كبير، وعملك وضيع، وتذكر ناراً تلظى، أوقدها الجبار لتحمى، فتقول لمثلك هل من ‏مزيد.‏
أيها الحاسد دعك من لوثة اللسان، وفي جب الليل توزعها مسجات، فعلك هذا فيه لغط، وكثير من الشطط، وكل ذلك يضر بعلاك، ويبعدك عن بلوغ مناك، فالحسود لا يسود، والحسنات ‏مثل الشجرة الطيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، ينخره ويأكله الحسد والحقد، والنار مثوى ‏لمن عصى وعند.‏
أيها الحاسد لكل حديث يفترى، وزور يكترى، وصرخة في واد، ونفخة فيرماد، إثم محسوب ‏وعمل مكتوب في صحائف أعمالك، لذلك فالحكمة قول العرب من كندة، أرباب الفصاحة ‏والأدب، انسجها لك أبياتاً ببلاغة وأدب، وأقول لك :‏
يموت الحسود بداء غيظه
وهو بين المؤمنين في قيل وقال
يُشين صحف البلاد بقوله
وبمقدمة الكذب والهزل يحتال
ويدبر عنه الكندي بحلمه
ويترفع ادباً ولا يلق له بال
فالكندي لو لم يكن ذا نعمة
فعلام يحسده ويكتب عنه مقال
ختاماً، اعتذر للقارئ عن مقال ربما يكون جدلا عقيما او معارك وهمية، تبحث عن انتصارات ‏نفسية، حيث جدالنا قد لا يضيف ثقافة ولا يصنع وعياً، ولكن جبرني على ذلك (الحاسد) الذي لا ‏يستمع للنصح، ولا يجيد النقاش، ولا يحمل دليلاً، ويبتلي المسلمين.‏
المصدر: صحيفة المدينة، الأربعاء 06 مايو 2009
رابط المقال:
http://al-madina.com/node/134670