[align=center][/align]
حاصرتنا وسائل الاعلام السمعية والبصرية وأمسكت بخناقنا وعاثت في أوقات فراغنا بحيث أصبحنا لانجد وقتاً كافياً للقراءة ، فهل يتحول الكتاب إلى الدرجة الثانية أو الثالثة من اهتمامنا هذا مانخشاه ولانتمناه.
فالكتاب كان رفيقنا الأقرب إلينا من كل الأشياء كان وسيلتنا للمعرفة ولعبور العالم وكان يمنحنا براحاً كافياً للتأمل والاشتباك معه في جدل خصب مثمر قبل أن نعرف ركوب الطائرة والذهاب إلى أقصى الدنيا كان الكتاب يوفر علينا ذلك العناء ويأتي لنا بدل أن نذهب له فعرفنا كل أوروبا- عفواً بعد معرفتنا بوطننا العربي- **وعرفنا شرقيها وغربيها وعرفنا أمريكا بشقيها الجنوبي والشمالي وعرفنا لمماً من أفريقيا كل ذلك ونحن (قاعدين على مندار ووساده) أو تحت ظل شجرة زيتونة او تحت نخلة في أغلب الأحيان وعندما تيسرت ظروف الحياة وعرفت طريقها إلى سلالم الطائرات كنا نغادر مكاننا وعندنا زاد لاحدود له من معرفة المدن والشوارع والأزقة الخلفية والمقاهي في أية عاصمة نريد الذهاب إليها كما لو كنا شاهدناها من قبل بينما نحن هاهنا قاعدون !



كانت قصائد الشعر والروايات والقصص القصيرة تقدم خدمة جليلة في الالتقاء والتواصل معرفياً مع الشعوب الأخرى ** بل اننا تعرفنا عميقاً إلى شعراء وقصاصين وروائيين وكتّاباً نقاداً قبل أن نلتقي بهم ونفاجاهم بأننا نعرفهم أكثر حتى من انفسهم أحياناً !!! ** ولكننا كنا سعداء في جميع الأحوال ومعجبين بأنفسنا *** وكنا في كل مرة نعود أكثر شغفاً بالبحث عن الكتاب والجلوس إليه الساعات الطوال من النهار فالكتاب صنع عقلنا بأمانة ومسؤولية والكتب كانت بالنسبة لنا هي كل شيء وحسن أولئك رفيقاً !

[align=center][/align]

كانت أجمل هدية يمكن أن تقدمها لصديق عزيز هي الكتاب ** وعندما يسألك صديق آخر هل لديك كتاب أقرأه تشعر بفرح لايعادله فرح إذا تكتشف أن هناك انساناً آخر يمكن أن يكون رفيقاً على الدرب **وكانت الأحاديث في لقاءاتنا لاتدور إلا حول الكتب ** آخر كتاب صدر ** القضايا التي يثيرها الكتاب الفلاني ** رواية فلان شيقة **القصيدة الفلانية هائلة ويشرع المتحدث في تلاوة القصيدة غيباً ** أجل كنا نحفظ قصائد الشعراء الكبار ونرددها دائماً على ألسنتنا ونستشهد ببعض ابياتها **كل ذلك كان يحدث قبل هذه الطفرة الهائلة من وسائل الإعلام المسموعة والمرئية التي كما قلت تحاصرنا وتمسك بخناقنا وتعبث بأوقات فراغنا !!
صحيح أن هذه الوسائل الإعلامية تعبر بنا العالم هي الاخرى ولكنها تعبر بنا إلى عالم سفلي ملوث **ملوث سمعياً بالألفاظ الممجوجة التي تجري على الألسن .. وملوث بصرياً بالمناظر القبيحة التي تفرض علينا ** ثم أن هذه الوسائل تفرض علينا ولانختارها بإرادتنا ثم أنها تلقي إلينا بقماماتها وتهرب ولا تتوقف دقيقة لكي نراجعها في ماتفعل او نناقشها في ماتسوقه إلينا من آراء ومعلومات وكل ذلك فيه سلب للإرادة وسلب للحرية **والانسان مجبر على أن يرى ويسمع طوال ساعات النهار والليل ** وأنت غير قادر على التحكم في الأمر **فهو يأتيك من الشارع ومن سيارة الأجرة ومن صالات الانتظار ومن بيوت الجيران ومن أجهزة مضيفيك **وامام كل ذلك تتبرم وتبدي غضبك ثم لانملك إلا أن نستسلم في النهاية **
نحن ننظر للكتاب بشفقة الآن قل أصدقاؤه وأنصاره وأحبابه وبقى وحيداً شبه معزول **