إن الفلسطينيين يعرفون جيداً العصابات الصهيونية .. وهذه المذبحة ما هي إلا رقم في سلسلة المذابح التي ارتكبها ويرتكبها الصهاينة منذ دخولهم عصابات مسلحة أرض فلسطين ويعرف الفلسطينيون أنهم ذبّحوا وشرّدوا وهجَّروا قبل القسام ، وحماس ، وفتح ، ومنظمة التحرير وكل المسميات والعناوين التي سماها المقاومون لأنفسهم عبر كل مرحلة .. ويعرفون من هو بيريز وشارون وباراك وموشى ديان ورابين وكل الملاعين الإرهابيين ، وكما تعرف الأجيال العربية التي عاشت في القرن الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين ، ويعرف الذين قرؤوا التاريخ بوعي المذابح التي ارتكبها الأوربيون وفي مقدمتهم الإنجليز والفرنسيون والإيطاليون في المغرب العربي ومصر والسودان والجزيرة والخليج والرافدين وبلاد الشام .. إلخ .
ويعرف العالم من الذي زرع العصابات الصهيونية ومن الذي سلحها من البندقية إلى السلاح النووي إلى آخر صيحة في تقنية الموت من أمريكا وحلفائها .. أما هذا الجيل الذي لم يحضر أو لم يقرأ ، فقد تابع هذه المذبحة المنقولة مباشرة ويعرف أن أجداده و آباءه ذبحوا وهدمت بيوتهم ، وأحرقت مزارعهم ، ووضعوا في معتقلات ، ومنعو من الغذاء والماء .. ناهيك عن العلاج والدواء تماماً مثل مذبحة غزة اليوم وأن الفرق فقط أن هذه المذبحة منقولة على الهواء مباشرة .

إن العملاء والمنافقين الذين والوا اليهود والنصاري والذين هم منهم حسب التفسير القرآني وحسب كلام خالق الخلق وهو أدرى وأكثر معرفة بخلقه ، الذين استعانوا على شعوبهم بالغير ومنهم من يستعين بالصهاينة من أجل عودة فرض نفوذه على غزة حسب تصريح الإرهابي بيريز ، وأيضاً الحكام العرب الذين يستعينون بالصهاينة والأمريكيين وغيرهم على تأديب أحزابهم وجماعاتهم السياسية وشعوبهم .ونتساءل : ماذا لو استعانت هذه الجماعات بالغير على حكوماتهم ؟.. ماذا لو استعان أحد بتركيا من أجل إعلان الخلافة الإسلامية ؟ أو بإيران من أجل إقامة الدولة الفاطمية ؟!

إن مذبحة غزة المنقولة على الهواء مباشرة أفقدت النظام الرسمي العربي شرعيته ، لأنها كانت القضية المركزية ، وكانت المبرر لكل من حكم أو قفز على السلطة ، وها
هم اليوم يعجزون حتى عن حماية غزة فمابالك بفلسطين التي تم بيعها في سوق النخاسة ؟.
بقعة دم
إن الشعوب حينما تعتمد على نفسها وتسقط أي حساب لأي طرف يخرج عن طموحاتها أو يعاديها أو لا يعمل لها حساباً ، وحينما تحمل رؤية واضحة «أيديولوجياً» مهما كانت سماوية أو وضعية ، وحينما تدافع عن نفسها بشكل منتظم وليست نظاماً رسمياً ، تستطيع أن تحقق النصر وتستطيع أن تهزم الأهداء وتستطيع أن الأعداء تحقق معهم التوازن الاستراتيجي في الحرب أو السلام على حد سواء.. لأن الشعوب تقاوم ،، ولا تساوم .. تموت ولا تستسلم .. تحارب ولاتهزم .. وهي أقدر على تقديم الدم والنفس والتضحيات المنقطعة النظير .. والأمثلة عبر التاريخ كثيرة جداً ، ولكن النموذج الأقرب إلينا هو المقاومة الشعبية والوطنية في لبنان وغزة ، حماس والجهاد وكتائب الأقصى وصلاح الدين واللجان الشعبية وعمر المختار و أبو علي مصطفى ، وكذلك المقاومة في العراق وأفغانستان التي اتخذت قرار الموت الذي ما اتخذه شعب وانهزم .. ونتساءل اليوم : هل الأمجاد التي صنعها الأبطال عبر التاريخ كانت بالدعة والاستكانة وغير ذات الشوكة ؟.. كانت البطولات عبر التاريخ بالدماء والأرواح ، ولم تكن بالبروج الزجاجية أو (السوبر ماركت ) وروائح باريس أو شكولاتة سويسرا وشامبو ألمانيا ، وملابس إيطاليا وكنتاكي وهامبورج أمريكا .. كل تلك الشركات التي تدفع ثمن الرصاص المنهمر على غزة اليوم وقبلاً .
إن الذين صنعوا أمجاد هذ الأمة وصنعو إمبراطورية من الصين شرقاً إلى قلب أوروبا غرباً لم يستعملوا كل هذه الترهات إنما صنعوها بالعقيدة والرؤية الواضحة الواحدة وحملوا رسالة للإنسانية رسالة قائدة لا تابعة ، وهم فوق خيولهم « طائرات اليوم». وبأيديهم سيوفهم «بنادق ودبابات وصواريخ اليوم ».

الكذبة الصهيونية التي صدقها العالم وروجها «حلفاء الصهاينة » أن المقاومة الفلسطينية وصواريخها هي سبب المذبحة .. ولقد تكررت هذه الكذبة عبر التاريخ فقد كذبها الإنجليز وقالوا طابية تراب الإسكندرية تهدد أمن بريطانيا ، وكذلك منشة داي الجزائر التي تسببت في قتل مليون ونصف جزائري وإعلان أن الجزائر فرنسية ، ومحاكمة
عمر المختار بأنه متمرد على إيطاليا واعتبار أن ليبيا الشاطئ الرابع لإيطاليا .. كلها نفس الذرائع الاستعمارية الإمبريالية نراها اليوم متكررة والهدف واحد وهو إبادة الشعوب .
بقعة دم
إنه من السخف أن يتحدث ساركوزي الذي « يفتخر بيهوديته» في مؤتمرات صحفية في عواصم عربية كبرى عن أمن « إسرائيل » من صواريخ بدائية والغرب هو الذى زود الإرهابيين الصهاينة من الحلف الأطلسي بأقوى الأسلحة واعتاها ولا يتحدث ساركوزي عن أمن ثلاثمائة مليون عربي ومليار مسلم من صواريخ نووية كان لفرنسا الدور المؤسس فيها .. موجهة لكل عاصمة عربية وإسلامية لإبادتها واستسلامها عند اللزوم .. وكيف فات الحكام العرب الرد على هذه العبـــارة ؟!!

إن ما تمارسه المافيا الصهيونية على أكبر منطقة كثافة سكانية في العالم وأفقر منطقة في العالم هو ما بعد بعد هتلر ، هتلر كان يقاتل دولاً عظمى مثله تملك نفس السلاح ونفس الجغرافيا وتنافسه السيطرة على العالم .
ولكن الحقيقة التي ينقلها لنا البث المباشر لمذبحة غزة أننا نحن العرب والمسلمون وشعوب العالم الثاني والثالث لسنا معنيين بالأمن والسلام وحقوق الإنسان واتفاقية جنيف وحق الدفاع عن النفس .. والمعنيون بها فقط هم المافيا الصهيونية والأوروبيون والأمريكان أو من يمتلك القوة ، وحينما يتكلمون عن هذه المفاهيم لا يعنوننا .. نحن في عيونهم ما بعد بعد الحيوانات .
بقعة دم
إن على الشعوب إعداد نفسها بالقوة الذاتية ، وعليها أن تتدرب رجالاً ونساء وتقيم الشعب المسلح وإنها منذ غزة تلغي أي عامل آخر غير بناء قوتها الذاتية وتلغي من قاموسها العوامل الأخرى من الحكام وحتى ما يسمى بالأمم المتحدة أو مجلس الحرب « الأمن » الدولي أو الجامعة العربية أو المؤتمر الإسلامي وغيرها وغيرها كثير ..

إن العواطف والأماني والانفعالات الموسمية وغيرها من أشكال التعبير والمشاركة الوجدانية وما يترتب عليها من مظاهرات أو اعتصامات أو ما في حكمها بقدر أهميتها ولكنها ينبغي ألا تكون سلوك الشعوب بعد غزة ، بل ينبغي أن تشل الجماهير النظام الرسمي الذي لا يستجيب لها وتبني نظامها ، وعليها أن تشل مصالح أعدائها بالسيطرة المباشرة عليها من شركات ومؤسسات ومنافع تزحف بالعشرات والمئات والآلاف ، والملايين على هذه المؤسسات لشل فاعليتها وقطع الشرايين التي تمون الأعداء من تحت أقدامها .
إن القوى الحية والمحرضة والفاعليات السياسية والثقافية لا ينبغي لها أن تتحول إلى حالة انتهازية لأغراض محدودة وتستخدم دم الشهداء كبطاقات انتخابية مثلهم مثل الصهاينة ، بل هي ملزمة اليوم بصياغة وإبداع البرامج والآليات أمام الجماهير عليها أن تقتحم الحواجز لكي تجيب الجماهير الحائرة اليوم.. ما هو الذي نقدمه لأهل غزة « والعين بصيرة واليد قصيرة » ؟.. « ولو كان باليدحلية » كيف ندير ؟ وما العمل ؟ هذه الأسئلة المهمة من الجماهير أمام القوى الحية والقيادات الشعبية مسؤولية الإجابة عنها ، وعليها أن تقود الجماهير للسيطرة على كل المصالح والمراكز التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالكيان الصهيوني ، لتتم السيطرة المباشرة عليها وإدارتها لصالح قضايا الأمة وفي مقدمتها قضية فلسطين.. هذا هو فقط الموقف الحقيقي الداعم لأهل غزة ولو استطاعت القوى الحية وجماهيرها فعل هذا لرأى الظالمون أي منقلب ينقلبون وليتمتع الجنرالات والجيوش العربية بطول عمرهم ويبقون تحت رحمة الجيش الصهيوني وجنرالاته الذي يستعرض عليهم قوته في غزة اليوم لإرهابهم وإهانتهم ، ويبقى الرأسماليون يحرقون أموالهم في مصارف الحركة الصهيونية العالمية التي تدفع ثمن الرصاص المنهمر على غزة ، وسيأتي اليوم الذي يفعل بهم الصهاينة ما فعلوه الإنجليز بالشريف حسين ، بل وستضيع أموالهم في بورصات الغرب الذى استهلك كل ثرواتهم ليعودوا مفلسين خاوي العروش وتبقى في النهاية جماهير الأمة هي الحقيقة التاريخية الثابتة، والشعب المسلح هو الحل الحقيقي لأحلام وطموحات الشعوب لسبب بسيط ، هو أنه لايهزم وهذا هو أحد دروس غزة..!!