د.عبدالله مرعي بن محفوظ

استلم مساء أمس الثلاثاء الرئيس (باراك اوباما) حُكم أمريكا دولة الديمقراطية في ‏حدودها، واستطاع النجاح وجذب الأمريكيين عندما أعلن كلمة (التغيير)، أعلن أن ‏التغيير يكمن في مفهوم المجتمع ومكوناته، وهنا لن أخوض في أجندة اوباما ‏السياسية ونهجه الانتخابي، ولكن أطلب أن نطلق مبادرة التغيير على غرار مبادرته ‏لبناء القيادات الاجتماعية والاقتصادية داخل مجتمعنا.‏
وعلى الرغم من أني قد سبق وأن كتبت في هذا الموضوع، إلا أني أراه يتجدد دائماً ‏مع كل حديث عن التنمية الاقتصادية ، وكيفية تطبيقها على أرض الواقع، فالمجتمع ‏السعودي شاب الأعمار والطاقات، ويشكل ما دون سن الخامسة عشرة من العمر ‏‏40% من هذا المجتمع، وهذا ما يعني أننا خلال الخمس سنوات القادمة سنكون ‏مجتمعاً يشكل نصفه الشباب، ويجب أن تكون الإستراتيجية القادمة إستراتيجية إعداد (القادة الشباب) وأن تكون هذه الإستراتيجية جزءًا لا يتجزأ من المناخ التعليمي ‏القادم من التعليم الثانوي إلى الأكاديمي.. إعداد القادة برنامج يتطلب منهجاً مدروساً ‏عملياً لتأهيل الأفراد ليكونوا في مواقع المسئولية، فهذا علم يجب أن نتعلمه، وتنمية ‏النوايا الحسنة والمسئولية والإخلاص والتفاني داخل النفس، وهي تحتاج أيضاً إلى ‏تدريب منهجي قائم على التجارب السابقة الداخلية والخارجية وتنوع المهارات ‏الحديثة الموجهة لكل فرد، لأن (القيادي) يجمع بين العلم والمعرفة والمهارات، ‏وطريقة إسقاطها على الطبائع البشرية تحتاج إلى علم أيضاً، فالقيادي تجده في ‏المواقع الصعبة بما يمتلكه من عقل ثاقب وصبر وجد ومثابرة وإرادة وقدرة على ‏توظيف الأشخاص وفق إمكانياتهم، وفي نفس سياق حديثي سُئلت ذات مرة من أحد ‏الصحافيين عن الميزانية التي أقرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله لعام ‏‏2009م، فقلت وقتها ان هذه الميزانية الضخمة في تاريخ السعودية تحتاج إلى ‏كوادر من (المريخ) لتنفيذها، لأنني أجزم أننا لن نحظى مرة أخرى بميزانية مباركة ‏وتوزيعاتها مثل ميزانية 2009م، ويتوجب أن يتم استثمارها على أكمل وأفضل ‏وجه.‏
فالقيادي الذي نحتاجه في لحظتنا الراهنة - التي قيل عنها بأنها لحظة مفصلية ‏وحاسمة في التاريخ السعودي متى ما استغلت بشكل أمثل للسير نحو المقدمة عالمياً ‏‏- القيادي الذي يقوم بتنمية (الموظفين) وتطوير قدراتهم وتهذيب ملكاتهم في مسيرة ‏حياتهم الشخصية والعامة والسيطرة على الأرواح والقلوب لكي ينجز أعماله حسب ‏الوظيفة التي يتقاضى في مقابلها أجراً .‏
القيادة هي صنع الفرد مفكراً عظيماً وخلاقاً، وطاقة جبارة طامحة إلى السمو ‏والرقي بروح الشعور والمسؤولية بدوافعها الذاتية وأهدافها الكبرى وتطلعاتها ‏العالية - وهذا ما يطمح إليه الجميع ويسعى لتحقيقه. ‏
القيادة الذاتية الخلاقة التي يتمتع بها الفرد هي التي تستطيع أن تسهم بجهودها، ‏وأساليبها المختلفة، إسهاماً كبيراً في تهيئة المناخ الملائم، والظروف المناسبة للعمل، ‏وفي توجيه الجماعة نحو أسلم طرق العمل وأساليبه الناجحة، ورفع معنوياتها، ‏ودفعها لزيادة الإنتاج وتحسينه، كما تسهم القيادة الذاتية الخلاقة في تماسك وترابط ‏الجماعة العاملة، في سبيل تحقيق أهداف المشروع.‏
ومن المنطقي الإشارة هنا إلى أن القيادة من جهة أخرى هي النواة الأساسية، التي ‏يلتف حولها الأفراد، وهي حجر الزاوية في العملية الإدارية الناجحة، والتي توجه ‏لتنفيذ وظائف الإدارة المختلفة، والمقيمة لنتائج الأعمال المراد تحقيقها والمحققة ‏أيضاً، فلها تأثيرها في سلوك الجماعة وشخصياتهم، بعملها، وخبرتها، وأقوالها، ‏وأفعالها، ومظهرها، شخصية خاصة كانت أم رسمية.‏
‏(القيادة) منبعها الروح التي لا تعرف (الانهزام) ، والحقيقة أننا لسنا ببعيدين جداً عن ‏ذلك، فلدينا نماذج حققت بشكل مثالي ذلك المفهوم على أرض الواقع في هذا الوطن ‏العملاق وبإمكانيات أقل مما هو متوفر في هذه اللحظة الراهنة، ولكن الآن نحتاج ‏إلى آلاف الأفراد وليس العشرات، نحن مقبلون على مشاريع ضخمة في القطاع ‏الخاص وفي مجالس إدارات عدد من المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية، فالوطن ‏بحاجة إلى عدد ضخم من «القادة» المتمرسين لا «التنفيذيين» المسيرين.‏
فالقائد من أجل الوطن هو ابن (الوطن) الذي يتخلى عن الطقوس البروتوكولية، ‏ويتحدث إلينا مباشرة في جو وطني ومباشر مع الأمة والإعلام، ويقدم روح الإنسان ‏ليكسر حاجز الرهبة في نفوسنا، محاولاً - متى تحقق ذلك- في حديثه أن يضع ‏الواقع وأن يستشهد بالحلول ويطلبها تاركاً زيه الرسمي للمناسبات، نريده إن ‏يخاطب قلوبنا ويقنع عقولنا ويرينا الهدف الذي تحدث عنه ويريد أن يحققه، لا نريده ‏أن يتحدث من ورقة مكتوبة، أو يتخذ موقعاً بعيدا عن الحضور أو يجلس خلف ‏مكتب فخم أو في مكان مرتفع كمنصة المسرح، ويقيدنا بمراسيم حضور واستقبال ‏وتوديع ، نريده أن يقف مباشرة معنا قرب مقاعد جلوس وعموم الحاضرين، يتحدث ‏واقفاً ومتحركاً ويحدثناً مباشرة، ويتناول شؤون الحاضر ورؤية المستقبل.‏
ختاماً، إن ولاة الأمر في الوطن يدركون تمام الإدراك أن الإنسان السعودي ‏هو الثروة الحقيقية، ولدينا من «القياديين» الكثير الذين نستطيع التضافر معاً ‏لإظهارهم ودعمهم كمسئولين ومواطنين، فنحن في شغف لهم، إن الحقبة السابقة ‏كانت حقبة مسيرة وليست متدبرة، وصائية في أمرها، ناقمة على من اعترضها من ‏الجيل الذي يصغره سناً، إن سلب الثقة بشكلها التراكمي على امتداد السنين من ‏الأجيال الشابة يخلق اللامبالاة لديهم، وبهذا نخسر روح الشباب المعطاء والحماس ‏الخلاق والإبداع ، إن سياسة وثقافة تسيير القطيع ما عادت ذات جدوى، فالجيل ‏الجديد بات أكثر وعياً لفحص أوامر (قائد القطيع) وإن كان مفوهاً، فالواقع يطلب ‏العلم الممنهج حتى نحظى بمجتمع من القادة تصون مكتسبات الوطن، وعطاءات ‏ولاة أمره
www.abm.com.sa

المصدر: صحيفة "المدينة"، الأربعاء 21 يناير 2009م.
الرابط: http://www.al-madina.com/node/96215