د. عبدالله مرعي محفوظ

رغم ارتفاع عوائد النفط في عام 2008 الماضي، والذي لم ينعكس عملياً على دخل المواطن مباشرة، وحين لا توجد إحصاءات دقيقة عن متوسط الدخل الشخصي للفرد ، تظل التوقعات والقراءات الاقتصادية هي الشواهد على الوضع العام ، ويمكن استقراء إعلان مصلحة الإحصائيات العامة والمعلومات بوزارة الاقتصاد والتخطيط عن وجود 400 ألف أسرة سعودية لا تمتلك سيارة ، وهذا يعني إن ضعف هذا العدد لا يملك سكناً.
ومع القول بان التوقعات تشير إلى وصول أسعار (العقار) إلى سعر مقبول خلال الأشهر القادمة من عام 2009م ، ولكن يظل (السعر) المقبول من نظر التاجر وليس المواطن هو العقبة الأولى في تملك السكن لأنها تمثل نصف المشروع ، هذا إن وجد الأخر وهو السيولة أو التمويل العقاري .
المثل العام الذي يقول «تعددت الأسباب والموت واحد» هو عنوان ومرئيات دراسة اللجنة الوطنية العقارية في مجلس الغرف السعودية والتي تم من خلالها تشخيص تعثر وفوضى العقار بالنقاط التالية:
(اولا) تأخر في تطوير مخططات المنح ، (ثانيا) تأخر القطاع الحكومي في تمديد أعمال البنية التحتية، (ثالثا) تضييق النطاق العمراني داخل المدن ، (رابعا) ما حدث بالتمدد الرأسي داخل المدن ،(خامسا) التعقيد البيروقراطي لاعتماد مخططات سكنية جديدة، (سادسا) التأخير في تفعيل نظام السجل العيني ، واخيراً التأخير في اعتماد أنظمة الرهن والتمويل العقاري .
من وجهة نظري هذه ليست مرئيات هذه (عقبات إسمنتية) وتعني نظاماً فشل خطة التنمية الثامنة، واستمرار هذا العقبات مستقبلاً سوف تفشل الخطة التاسعة والعاشرة كذلك ، ولن نحقق عام 2019م هدف وصول 80 في المائة من المواطنين ليصبحوا ممن لديهم سكن خاص بهم .
من خلال هذه المقدمة يكمن السؤال ... كيف يمكن للمواطن تملك سكن ؟ في ظل ارتفاع أسعار الأراضي لقلة العرض والانخفاض البسيط في أسعار البناء لعدم رغبة التجار في تصريف المخزون ، وعجز صندوق التنمية العقارية عن تلبية اغلب الطلبات ، كل هذه العوامل اجتمعت في وقت واحد مع الأزمة العالمية للتمويل ، لذلك من المستبعد جدا أن تتوفر تمويلات سكنية في المستقبل تحقق عائدا كافيا للبنوك التجارية، حتى لو أجيزت قوانين الرهن العقاري ، وهذا يعني بالضرورة تدخلاً (حكومياً) في ظل الإحصائيات التالية : عدد سكان السعودية 24 مليوناً ، يشكل المواطنون نحو 17,5 مليون نسمة ، ونسبة من تبلغ أعمارهم 14 عاما فأقل نحو 38 في المائة ونسبة من تبلغ أعمارهم 40 سنة فأكثر 19 في المائة ، وسوف نصل إلى 40 مليون سعودي في عام 2029م.
إن متوسط عدد أفراد العائلة السعودية حاليا (6-7) أفراد وفكرة الشقق السكنية لا تتناسب مع اغلب أطياف المجتمع ، وغالباً ما يؤدي ارتفاع عدد أفراد الأسرة إلى زيادة أعباء على رب الأسرة ، وفي ظل وجود 464 ألف عاطل عن العمل ، والأخر يبحث عن فرص وظيفية في المناطق الرئيسية مثل الرياض ومكة المكرمة والمنطقة الشرقية التي أصبحت تستوعب ثلثي سكان المملكة العربية السعودية .
هنا وبدون مقدمات شرعية ونظامية اعتقد إن الحل يكمن في فرض (ضرائب) علي أصحاب الأراضي البيضاء الكبيرة والمتوسطة وعلى الأسواق والمجمعات السكنية والعمائر التي لا تستخدم للسكن الشخصي ، حيث تعد كثير من الأراضي الخاصة الصغيرة إلفين متر واعلي تحتفظ (لربح) بيعا وشراء على المدى القصير بما يشبه المضاربة على (الأسهم) ، والأراضي الكبيرة تحتفظ على المدى البعيد بما يشبه الاستثمار طويل الأجل ، وهناك من ليس لديه حافز على البيع أو التطوير في مدى خمسين سنة قادمة .
حبس الأرض عن البناء يعد من الاحتكار في الإسلام ، وإخفاء الأموال عن مصلحة الزكاة بتملك المخططات والأراضي يعد مخالفة شرعية ونظامية ، والمحصلة لهذين العملين رفع أسعار الأراضي لأنه يحد من العرض ، فهل هناك وسيلة للتدخل غير الضرائب العقارية ؟
هناك من يقول (الزكاة) تكفي ، وهذا صحيح من جهة الوجوب ، ويظل الاختلاف حول الاحتساب سنوياً آو مرة واحدة ، مثل حقوق الشركاء في الشركات التي تحاسب عليها مصلحة الزكاة عنها سنوياً ، وفي مسألة العقار فيها خلاف حيث يرى بعض الفقهاء أن الأرض المعدة للاستثمار على المدى البعيد وحبسها عن المتاجرة تجب فيها الزكاة لسنة واحدة فقط ، وآخرون من الفقهاء يوجبون الزكاة فيها كل عام لأنها محبوسة للنماء، وعلي العموم ان ما يكتبه الفقهاء او الكتاب هو اجتهاد لتلمس الحل ، وقد يكون مقدار الزكاة على العقار غير كاف لزيادة العرض أو كبح جماح ارتفاع أسعار العقارات ، لذلك ينبغي فرض (ضرائب) على الأقل خلال الفترة الزمنية لخطة التنمية التاسعة والعاشرة وهذا الاقتراح سوف يساهم في تحريك المحافظ العقارية المغلقة ، ويصنع حلولاً عقارية جديدة ويحرك الأموال المحبوسة في العقار لمجالات أخري تضيف وظائف لسوق العمل .
ختاماً أرجو من مجلس الشورى مراجعة سياسية منح الأراضي للمواطنين ، خاصة إذا كانت ليست ملائمة للسكن بسبب عدم وجود الخدمات، لأن الدولة تقوم بالخطوة الأولي وهي تخطيط هذه الأراضي ولكن بدون خدمات ، فتنتقل هذه السياسة لصالح تجار العقار ، الذين يستغلون نقص البنية التحتية والخدمات ويقومون بشرائها مابين (35 – 50)ألف ريال من المواطن ، لذا من المهم جدا وضع قانون تملك وتمويل لموقع ملائم للسكن والإعمار ، تقوم على معايير موضوعية ونزيهة في التوزيع على إفراد المجتمع .
www.abm.com.sa

المصدر: صحيفة "المدينة" السعودية، الأربعاء 7 ينابر 2009م.
الرابط للتعليق والمداخلة: (http://www.al-madina.com/node/91260)