إن ارض فلسطين الحبيبة ارض طاهرة و مقدسة مذ أن عرفها التاريخ، و المتصفح للتاريخ سيضع وسام الشرف على كل صفحة من صفحاته. فلننتقل سويا في رحلة سريعة عبر التاريخ لنرى كيف تعاقب الأنبياء و الرسل عليها لنرجع من رحلتنا و نحن أكثر حبا لها و فخرا بها و الأهم أكثر تمسكا بها.
يطلق اسم فلسطين على القسم الجنوبي الغربي من بلاد الشام و هي ذات موقع استراتيجي هام، فهي نقطة التقاء جناحي العالم الإسلامي.
و أقدم اسم معروف لهذه البلاد هو "ارض كنعان"، لان الكنعانيون الذين جاؤوا من جزيرة العرب هم أول من سكنها، و اسم فلسطين مشتق من أقوام جاءت من بحر ايجة، و قد ورد اسمها في النقوش المصرية "ب ل س ت" و ربما أضيفت النون للجمع.
و قد كان قدوم سيدنا إبراهيم عليه السلامإلى فلسطين بعد أن بنا الكعبة، على الأرجح لبناء المسجد الأقصى و عاش في فلسطين و نشر التوحيد، و توفي فيها فسميت الخليل نسبة إليه عليه السلام
و من ثمة عاشت ذريته عليه السلام هناك، النبي إسحاق و بعده يعقوب، و كان سيدنا يعقوب عليه السلام يلقب ب "إسرائيل" و كان له اثنا عشر ابنا كانوا يلقبون ب "الأسباط " و كانوا هؤلاء هم بنو إسرائيل في ذلك الزمان.
و قد هاجروا إلى مصر و استقروا بها و عانوا الكثير من بطش فرعون إلى أن بعث لهم الله سيدنا موسى فخلصهم من ظلمه و جبروته، و لكن بني إسرائيل في ذلك الزمان طبعوا على الذل، فلما أمرهم سيدنا موسى للذهاب لبيت المقدس ردوا عليه بمنتهى الوقاحة : "فاذهب أنت و ربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون"
و توفي سيدنا موسى في سنوات التيه، و قبل أن يدخل ارض المقدس، و كان في تلك الفترة قد نشا جيل صلب من بني إسرائيل، فقادهم بعدها "يوشع بن نون" عليه السلام و عبر بهم نهر الأردن، و استطاع تحقيق بعض السيطرة لبني إسرائيل في الجزء الشمالي الشرقي من فلسطين، و بعد فترة سادت الفوضى و الانحلال الخلقي و لم يتحسن حالهم إلا بعدما أصبح " طالوت" ملكا عليهم و بعدها خلفه سيدنا "داوود" عليه السلام ، فكانت بداية مرحلة جديدة لبني إسرائيل، فقد تغلب على الأعداء و تمكن من نقل عاصمته إلى القدس كما انه سيطر على معظم فلسطين و بعدها خلفه ابنه "سليمان" عليه السلام حيث شهدت فلسطين تقدما حضاريا و عمرانيا و كانت الفترة التي حكم فيها سيدنا "داوود و سليمان" عليهما السلام العصر الذهبي، و كانت و لمدة ثمانين سنة فلسطين تحت راية التوحيد.
و بعد وفاة النبي "سليمان" عليه السلام انقسمت فلسطين إلى مملكتين "إسرائيل" و " يهودا "، المملكة الأولى اندثرت أما الثانية فتفرق شعبها في مختلف بقاع العالم.
و بهذا لم تدم مملكة إسرائيل أكثر من أربع قرون حكموا فيها جزءا من فلسطين و ليس كله،ا و في معظم حكمهم كان الضعف و التفكك يعتريهم و كانوا تحت سيطرة غيرهم.
بعدها أصبحت فلسطين تحت الحكم الفارسي ،و بعدهم الإغريق و تلاهم الرومان، و في العهد الإسلامي كان لابد من استرجاع احد أهم أعلام الإسلام ففتحت القدس على يد خالد بن الوليد و أبو عبيدة الجراح و دخل نور الإسلام إلى أركان و زوايا بيت المقدس و قرت عيون المسلمين به،ا و قد تسلم مفاتيحها في ذلك الوقت عمر بن الخطاب رضي الله عنه و أرضاه، و صدح صوت بلال بن رباح فيها بالأذان بعد أن كان امتنع عنه منذ وفاة الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم ،وكتبت حينها العهدة العمرية حيث كانت تدعوا للتسامح و الايخاء و التعايش بين الديانات.
بعدها أتى حكم الراشدين و بعدهم بنو أمية الذين خلفهم العباسيون، ليأتي بعدهم الفاطميون. و لما احتدم الصراع بين الفاطميين و السلاجقة على ارض فلسطين استنجد الفاطميون بالصليبين الذين بزغ فجرهم في تلك الفترة على بلاد الشام على أن يكون لهؤلاء الجزء الشمالي من الشام، و للفاطميين فلسطين. و بعدها استولى الصليبيون على فلسطين بعد بحور من الدماء.
لكن في حقيقة الأمر العرب لم ينسوا فلسطين بل كانوا على يقين أنها من حقهم لان فيها مقدساتهم، فقد ظهر أبطال هزموا الصليبيين مثل "اقسنقر البرسقي " و "عماد الدين زنكي" و ابنه" نور الدين محمود" الذي تمكن من توحيد قوى المسلمين في الشام ومصر و اسقط الخلافة الفاطمية، ليتوفى بعدها بعد أن ثبت فكي الكماشة على الصليبيين مصر و الشام، و خلفه بعدها واليه صلاح الدين الأيوبي الذي خاض معركة حطين مع الصليبيين و هزمهم شر هزيمة ليفتح بذلك بيت المقدس بعد ثمانية و ثمانين سنة من الحكم الصليبي.
لكن الصراعات الداخلية أضعفت الدولة و عاد الصليبيون ليسيطروا عليها إلى أن عادت فلسطين إلى حضرة الإسلام بفضل المماليك الذين خلفوا الدولة الأيوبية، و كان الجهد الأكبر في هذه الآونة "للظاهر بيبرس" و بقيت كذلك حتى الاحتلال البريطاني عام 1917.
و كما نرى أن اليهود فقدوا صلتهم بفلسطين منذ زمن بعيد جدا يقارب 1800 عام و رضوا بذلك و قالوا أن هذا نتيجة خطاياهم و أنهم لن يعودوا إليها إلا بعد مجيء المسيح المخلص.
لكن بعض التغيرات التي حدثت في التاريخ الأوروبي الحديث أثرت عليهم و أدت إلى ظهور المشروع الصهيوني الممثل في "الحركة البروتستانتية" التي رسخت في عقول اليهود الإيمان بالتوراة و اليقين بأنهم أهل فلسطين المشردون في الأرض، و عليهم العودة إلى فلسطين ليجتمعوا فيها لانتظار المسيح الذي سينصرهم ،و كانت هذه الحركة في بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية و هولندا و نصف سكان ألمانيا و هكذا ظهرت الصهيونية غير اليهودية و من ثمة بدأت المشاكل اليهودية تثقل كاهل أوروبا و بالتالي كانت فكرتهم للرجوع إلى أرضهم مرحب بها و ناسب ذلك ضعف الدولة العثمانية، و من هنا أسس المشروع الصهيوني ففي مؤتمر لندن الاستعماري ظهرت فكرة إنشاء الدولة الحاجزة في منطقة فلسطين.
و قد هدف المشروع الغربي إلى غرس كيان غريب في قلب العالم الإسلامي ليمنع وحدته ويضمن ضعفه و تفككه.
و بالتالي نشا تحالف يهودي صهيوني غربي صليبي موجه ضد المسلمين يمنع نهوضهم و علينا أن نفهم هذا جيدا.
كما علينا أن نفهم أن الغرب عانى من الدولة الإسلامية، فما إن تسقط مملكة إلا و تخلفها أخرى فاستغلوا ضعف الدولة العثمانية و فكروا في شيء يمنع نهوضها مجددا و هذا مفهوم خطير جدا علينا أن نعيه نحن المسلمين.
و إلى هنا تنتهي رحلتي معكم فبقية القصة و قضية الانتداب و ما يليها معروفة للجميع. ارجوا أن تكونوا قد استمتعتم و فهمتم خلفيات كثير من الأمور و عرفتم التاريخ المشرف لتلك البقعة الطاهرة.
نفعنا الله و إياكم بهذا التلخيص المبسط لكتاب "فلسطين دراسات منهجية في القضية الفلسطينية" للدكتور "محسن محمد صالح".
الروابط المفضلة