لله درُّ الهدية !

لله درُّ الهدية ! تلك الوسيلة التي تطفئ نيران الضغائن ، وتحل أعقد الأزمات والمشكلات والنزاعات ، فللهدية عظيم الأثر، وجسيم الخبر في استجلاب المحبة وإثبات المودة وإذهاب الضغائن وتأليف القلوب .

وهي دليل على الحب ، وبريد إلى القلب ، وهي شعار التقدير ، وعنوان التكريم ، ولذلك فقد قبِل النبي - صلى الله عليه وسلم - الهدية ، ومنحها ، وأقرها، وأخذها من المسلم والكافر ، وقبِلَها من المرأة كما قبِلَها من الرجل ، وحثَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على التهادي ، فبها تطيب القلوب وتذهب وحر الخصومة.

الهدية سبيل الحب :



نعم ، الهدية سبيل الحب ، وبساط الود ، وإكسير الألفة ، لقول نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم : " تهادوا تحابوا " ( البخاري ) .. قال القرطبي : " فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم - كان يقبل الهدية ، وفيه الأسوة الحسنة ، ومن فضل الهدية - مع اتباع السنة - أنها تزيل حزازات النفوس ، وتكسب المهدي والمهدى إليه رنة في اللقاء والجلوس".
وانظر إلى صنيع بلقيس ! فقد كانت - بحق - عبقرية ؛ عندما استخدمت سلاح الهدية ؛ وأثره في تغيير النفوس ، محاولة منها لاستقطاب أعظم ملوك الدنيا آنذاك ، فقالت : ( وَإِنّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ) [النمل - 35].
قال قتادة : " يرحمها الله ! أن كانت لعاقلة في إسلامها وشركها ؛ قد علمت أن الهداية تقع موقعا من الناس ! ".. ولهذا أُثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الهدية تأخذ بالسمع والبصر والقلب " ( ابن أبي الدنيا : مكارم الأخلاق 110) .. وقال : " تَهَادَواْ تَحَابُّوْا نِعْمَ مِفْتَاحُ الحَاجَةِ الهَديةُ " ( حسن ) .

الصحابة والتابعون وهداياهم :


وانظر وتأمل كيف كانت هدايا الصحابة والتابعين، كيف كانوا أذكياء عندما عاشوا معاني وقيم " الهدية " في حياتهم اليومية ، وكيف أصبحنا أغبياء - عفواً - عندما ماتت فينا ومن بيننا ومن حولنا أخلاق " التهادي ".
* وأقبل سعيد بن العاص يوما يمشي وحده في المسجد ، فقام إليه رجل من قريش ، فمشى عن يمينه ، فلما بلغا دار سعيد ، التفت إليه سعيد ؛ فقال : ما حاجتك قال : لا حاجة لي ؛ رأيتك تمشي وحدك فوصلتك .. فقال سعيد لجاريته : ماذا لنا عندك ؟ قالت : ثلاثون ألفا .. قال ادفعيها إليه .
* كان شريح إذا أهديت له هدية لم يرد الطبق إلا وعليه شيء .
* وأهديت إلى إبراهيم بن أدهم هدية، فلم يكن عنده شيء يكافئه، فنزع فروه؛ فجعله في الطبق وبعث به إليه!

ولا تَرد الهدية .. مهما كانت حقيرة :
وإياك ، إياك أن تستصغر الهدية مهما ضعفت ، وتحتقر المنحة مهما صغرت ، وتتكبر على الأعطية مهما حقًرت .. لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لو أهدي إلي كراع لقبلت ولو دعيت عليه لأجبت ".. ( صحيح ) و الكراع : من الدابة ما دون الكعب .. يعني شيء هيِّن لا يذكر.

وإذا رددت الهدية.. فبين سبب ردها :

فلوا أهدي إليك ما حُرِّم ، أو ما لك فيه عذر لرده ، فبين ذلك لصاحب الهدية ، ووضح له الأمر بسماحة ولطافة مرفقة بابتسامة ، جبرًا للخاطر .. ففي الصحيحين من حديث الصعب بن جثامة - رضي الله عنه - أنه أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارا وحشيًا ، وهو بالأبواء أو بودان ، فرده عليه فلما رأى ما في وجهه قال : " أما إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ".

واظفر قلوب هؤلاء .. بالهدية :



1- الأقربون أولى بالمعروف، وعلى رأسهم الآباء والأمهات .
2- من يختلف معك في الفكر أو المذهب .
3- من يحرص على الإساءة إليك ، أو التجريح فيك ، أو النيل من عرضك .
4- من ترغب في هدايته إلى طريق الالتزام والتدين .
5- من ترغب في ضمه إلى العمل الجماعي الخيري أو التطوعي .
كان هذا هو مجال الكلم ، فبقي ميدان العمل ، فقم ، وانهض وطبق هذه السنة الميتة ، فاحرص على الهدية و لو كانت رمزية ، ولو سمحت بعد فراغك من قراءة هذه الصفحة .. قم بتوزيع شيء من الهدايا قدر استطاعتك على الأحباب والفقراء .

بقلم : محمد مسعد ياقوت
داعية مصري ، المشرف العام على موقع نبي الرحمة

مـــنــــقـــول