لطاما حلمت أن أعرفكن بها
(إسمها صابرة)
عرفتها منذ أن وعيت على الدنيا
منذ أن فهمت مايدرو حولي
هي ككل الصغيرات
تعشق اللعب بالدمى والمرح في المروج
لكنها لا تجد الدمى لتلعب بها
وحتى المروج التي تتمنى أن تقطعها ركضاً
لكن تمنعها أمها منها وتقول لها إنها خطرة
صابرة ترى في التلفار الصغار يلعبون
فتتمنى أن تكون معهم
لكن الغد دائماً مشرق
قررت صابرة أن تلعب معهم في أحلامها
أن تجري دون توقف ان تملأ الدنيا من ضحكاتها
هكذا كانت صابرة
تحلم بالغد
لأن الغد دائماً مشرق
يوم لم تنساه صابرة
عادت من المدرسة ووجدت بيتها يهدم
كان والدها يتثبت بأبواب بيته
وكانت أمها تبكي ألماً
وكان أخيها الصغير ينتقل ببصره بين الوجوه
عله يفهم ما يجري
هدم البيت ومن هدمه
أبرح والدها ضرباً
وتركه يتقلب في جراحه حتى أسلم الروح
لكن الغد دائماً مشرق
إحتضتهما الأم الرؤف
لم تبخل عليهما بشيء
البيت الجديد لم يكن ككل البيوت
كان سقفاً يأويهم فقط
وكانت تلك الأم هي عموده
هي حجارته التي
تقيهم حر الشمس
وبرد الشتاء
كان حنانها هو البلسم
كانت الزهرة التي تذبل ليزهر أطفالها
كانت الشمعة التي تنطفئ لتنير لأطفالها
كم حرمت نفسها
لأجل أطفالها
فقد كان الغد بالنسبة لها دائماً مشرق
كانت صابرة ككل الفتيات تحلم البيت
والزوج والأبناء
كبرت صابرة
أينعت صابرة
تخرجت صابرة
أصبحت عروس
الكل يخطب ودها
بل يخطب روحها الطيبة
واختارته من بين الجميع
خلق وشهامة
أقسم على أن يجعلها بين عينيه
بكت الأم
أهي الفرحة، ام الفرقة
كم كبرت الأم ذلك اليوم
اليوم زفاف صابرة
الكل يرقص
الكل يغني
الكل فرح
الكل موجود إلا أخيكي ياصابرة
الأم قلقة ولكنها ترسم شبح إبتسامتها
تقول لصابرة
أرسلته وسيعود (صابرة تشعر بكذبة الأم)
فتبتسم العروس وقلبها ممزق
تأتيها إحداهن بورقة مطوية
" أختي و حبيبتي هذه هديتي لكي اليوم
إعذريني
فالواجب ناداني فأجبت
وصيتي أمي، وصيتي أمي، وصيتي أمي
والغد دائماً مشرق"
و هكذا زفت صابرة لبيتها
وزف أخيها لقبره
لم تستطيع الأم لوعة الفراق
فلحقت بالركب كالأخرين
بقيت صابرة رافعة الرأس
صابرة كما هو إسمها صابرة
الأمل يتحرك في أحشائها
تتبسم صابرة
تحلم به يلعب مع أقرانه
تحلم به يمرح في المروج
تحلم به مهندساً
تحلم به عريساً
دائماً الأحلام لا تموت
صابرة اليوم أم البنين
تجهزهم بإبتسامة
وتودعهم بقبلة
وتشيعهم بالدعاء
وتحلم بهم رجالاً
صابرة اليوم أضحت أرملة
صابرة اليوم أصبحت ثكلى
صابرة اليوم أصبحت زوجة الشهيد
وأم الشهداء
صابرة اليوم هي الأرض
صابرة اليوم هي الكفاح
صابرة اليوم هي الأمل
صابرة اليوم هي كل فلسطينية
تزرع غصون الأمل
صابرة اليوم صانعة الرجال
لأن الغد دائماً مشرق
صابرة اليوم كأختها صابرة بالأمس
تصنع الرجال وتزرع الأمل
ترزع ليأكل أبناءها
تعلم ليعمل أبناءها
تحمل وتنجب
لتزرع الأمل كل يوم
هل يثنيها قتل
هل يثنيها حصار
هل تثنيها الإبادة
لا!!!
إنها دوماً تزرع الأمل
وترويه من دمائها
هل منا من يستطيع
أن ينجب أطفالآً يهديهم للموت
أن ينجب أطفالاً للإستشهاد
أن ينجب أطفالاً للظلم والقهر
أن ينجب أطفالاً لا يعلم هل سيكبرون يوماً
هل سيعودون من المدرسة
هل سيهشدون غداً
إنها صابرة فقط التي تستطيع ذلك
أن تنجب للموت وللشهادة
أن تنجب لكل يوماً طفلاً
تزفه للأمل
أن تغذي الأمل من أطفالها وأفلاذ كبدها
نعم فقط صابرة التي تستطيع ذلك
فتحية لكي يا صابرة
وتحية لكل صابرة
الروابط المفضلة