منذ زمن وأنا أود أن أطرح موضوع الإعلام العربي وأثرة في التربية والأخلاق .

وكنت أرجيء هذا الموضوع لشعوري بضخامته وتشعبه .

واليوم قرأت هذا المقال للأستاذ / علي فريد

فذكرني ما نسيت وأعادني إلى ما أرجأت .

وأظن أن هذا المقال قد يكون بداية جيدة لفتح باب الحوار

حول الإعلام العربي وتأثيراته سلباً وإيجاباً .

لذلك أرجو من الأخوة والأخوات الكرام التكرم بقراءة المقال والمشاركة في الحوار

عسى الله أن ينفعنا جميعاً .



أين يعيش هؤلاء
أبريل 10, 2008 - 08:23 — أ. علي فريد
أنا لا أدري ما هو نوع التوازن النفسي الذي يتمتع به القائمون على أمر (تلك القناة الفضائية الإخبارية العربية) ..
(تلك القناة) التي توصلك إلى مستشفى الأمراض العقلية بعد ثلاثة أيام من متابعتها ..
بالنسبة لي .. يكفيني أن أسمع اسم القناة حتى أركض إلى أقرب مسجد لأصلي فيه ركعتين داعياً الله أن يُتِمّ عليَّ نعمة العقل ، ويسترني في الدنيا والآخرة ، ويحفظني من ضلالات الكذب والجهل والسطحية والعمالة والخيانة والتفاهة والحقد والنزق والجنون ..

القائمون على أمر هذه القناة مذهلون بكل المقاييس ..
لم أتخيل يوماً أن هناك نوعيات من البشر قادرة على الاستمرار في (إدهاش) الناس إلى حد الجنون .. حتى أطل علينا ـ ذات كآبة ـ هؤلاء الذين لا نعرف من أي رحم فاسد خرجوا ..
إنهم كالحاوي الذي تدهشك ألاعيبه ، وأفانينه ، و(أسحاره) ، وخفة يده ، وخفة عقله أحياناً ، فتظن لغرابة ما ترى أنه سيعجز عن الإتيان بجديد ، فإذا به ينسيك أفانينه السابقة بجديد مذهل وغريب متجاوز .
وأكثر ما يذهلني في هؤلاء أنهم يعيشون كما نعيش ..
فوق الأرض .. وتحت السماء
يأكلون الطعام ويشربون الماء ويمشون في الأسواق ..
يذهبون إلى أعمالهم صباحاً ويعودون إلى بيوتهم ليلاً ..
ينامون كما ننام ويستيقظون كما نستيقظ ..
يَصِحُّون ويمرضون .. يفرحون ويتألمون .. يضحكون ويبكون ..
إذا سألتهم أجابوا .. أو ناديتهم ردوا .. أو استنطقتهم نطقوا ..
لهم أولاد وذرية .. أبوهم آدم وأمهم حواء ..
خُلقوا من ذات الطينة التي خُلقنا منها .. ونسلوا من أصلاب آبائهم ، وأرحام أمهاتهم كما نسلنا ..
هم بشر أمثالنا إذن ..
ليسوا كائنات فضائية مخيفة جاءتنا من مجرات سحيقة مسلحة بالحمق والعَتَهِ والجهل والسطحية ؛ لتحيل (إنساننا) إلى إنسانٍ آلي (رِيْمُوتُهُ) الحمق والعته والجهل والسطحية ..
منذ أيام نشرت هذه القناة تقريراً مصوراً عن مباراة (كرة طائرة) بين جنود من جيش الاحتلال الأمريكي وجنود من جيش (ماكو أوامر) العراقي .. (وحاشا العراق العظيم أن يكون جيشه هكذا ..) .
روجت القناة في هذا التقرير لروح المحبة ، والألفة ، والصداقة ، والتعاون ، والتفاهم القائم بين القاتل والمقتول ، والمُغتَصِبٍ والمُغتَصَب ، والجزارٍ والضحية .. وأظهرت مدى السلام والطمأنينة والراحة والسعادة التي ينعم بها العراق .. حكومة وجيشاً وشعباً ..
وأنا لا أدري ..
هل من كتب هذا التقرير ، ومن أعده ، ومن صوره ، ومن وافق على نشره ، ومن أذاعه ، .. يستحق أن يُسمى إنساناً يشعر ويحس ويرى ويسمع ويعيش في دنيا الناس ..
كثيراً ما تساءلت بيني وبين نفسي عن القوة الجبارة التي تدفع هؤلاء إلى الاستمرار في أعمالهم دون أن يصابوا بالجنون أو الفصام أو الذهان أو الاكتئاب .. فمن يقترف عشر معشار ما يقترفون .. لا بد أن نراه بعد أسبوع واحد هائماً على وجهه في الشوارع يهذي ، ويهرف ، ويمزق ثيابه، و(ينكش) شَعرَه ، ويقول : لا مساس .. لا مساس ..
هل يتناول هؤلاء أدوية مضادة للشعور والإحساس ..
هل يتعمد المسؤولون عنهم أن يغيبوهم عن واقعهم قبل إذاعة أي برنامج أو نشرة أخبار ..
هل المسؤولون عنهم هم النسخة المصغرة أو المكبرة لشيوخ فرقة (الباطنية) القديمة الذين كانوا يجبرون أتباعهم على تناول عقار معين يجلب لهم النشوة والسعادة والتغييب قبل أن يأمروهم بقتل هذا أو الفتك بذاك ..
وهل تحولت (هذه القناة وأمثالها) إلى (باطنية) معاصرة و(حشيشية) جديدة ..
لقد تخيلت الصورة .. فضحكت ..
تخيلوا أنتم ..
قبل بدء أي برنامج في (هذه القناة) (خاصة نشرة الأخبار) .. يقف المدير ليعطي للمخرج ، وللمعد ، وللمذيع ، ولطاقم التصوير ، حبوباً مضادة للشعور بأي شيئ ..
فهذه حبة مضادة للشعور بالكذب ..
وهذه حبة مضادة للشعور بالسطحية ..
وهذه حبة مضادة للشعور بالتفاهة ..
وهذه حبة مضادة للشعور بالضحالة ..
وهذه حبة مضادة للشعور بالعار ..
وهذه حبة مضادة للشعور بالخزي ..
وهذه حبة مضادة للشعور بالعمالة ..
إلى آخر قاموس الصفات التي يعرفونها ويروجون لها ..
فإن وُجِدَ فيهم من تسرب إليه مثقال ذرة من شعور .. أسكتوا شعوره (بِبَدَلات) مرتفعة ؛ لكي لا يَعلمَ مِن بَعدِ عِلمٍ شيئا ؛ فيضمنوا بذلك التغييب التام ، والنشوة الكاملة ، والطاعة المطلقة .. ثم يُطلقوه على خلق الله ؛ ليمارس عليهم ما مورس عليه ؛ فَيُغَيِّب عقولهم ، ويفتك بأرواحهم ، ويجفف منابع الخير فيهم ..
وأنا لو كنتُ مدير شؤون الموظفين في هذه القناة ـ لا قَدَّرَ الله .. أو ممن يدفعون للعازف ... ـ لاقترحت على إدارتها صرف (بَدَل احتقار من المجتمع) عن كل ساعة بث ، لكل مذيع أو معد أو مصور ..

إن الجميع يعلم أن (قناة الحرة) المأسوف على شبابها أمريكية من رأسها إلى أخمص قدميها .. أمريكا تعلم ذلك .. وتعلم أننا نعلم .. وتعلم أننا نعلم أنها تعلم ..
فما العمل ؟؟
العمل .. أن ننشئ (للمغفلين في الأرض) (قناةً عربيةً) تخلط في بداياتها عملاً صالحاً وآخر سيئاً .. فإذا تم (الاستغفال) ، واكتمل (الاستهبال) ، ولمس الناسُ شيئاً من (الموضوعية الموجهة) ، و(الحرية المقيدة) ، وظنوا أن الأمر جِد ؛ فأقاموا المؤتمرات ، وعقدوا الندوات ، وأنفقوا أموالهم في التفاهات وأوقاتهم في المهاترات ، واعتد كلُّ ذي رأي برأيه ، وتلهوا بالمصطلحات الحديثة ، والشعارات البراقة ، والعناوين الضخمة ، كما يتلهى الطفل المحروم بلعبة عيد ، وأصبحوا (كمزرعة البصل) كلها رؤوس ؛ (فتلبرل) بعضهم و(تعلمن) بعضهم و(تزمت) بعضهم ، وخرج فيهم من يقول : (لا نص فوق النقد) .. إذا حدث هذا ..
تسربنا إليهم (كتسرب الحية تحت التبن) ؛ فلدغنا أعقابهم لدغةً تغلي من سُمِّهَا أدمغتهم .. ثم وَليّنَا وجوهنا شطر حصونهم ؛ فنقضناها من داخلها حجراً حجراً ..
فإن بقي فيهم رجل عاقل يناديهم : يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب .. أو مثل يوم العراق .. أو مثل يوم أفغانستان .. أو مثل يوم فلسطين .. أو مثل يوم الصومال .. أو مثل يوم الشيشان .. أو مثل يوم الفلبين .. أو مثل يوم لبنان .. أمرنا كلاب النار من (أهله وذويه) أن يسيروا وراءه وهو يدعو الأحياء والقبائل ؛ ليحذروا الناس منه وينعتوه بالكذب والدجل والتخلف والرجعية والأصولية والتطرف والظلامية والإرهاب ..
أليس هذا ما حدث ..
أليس هذا ما يحدث ..
أليس هذا ما سيحدث .. إن لم يتغمدنا الله برحمته ..