برنامج تواصل تموله الوكالة الأميركية للتنمية الدولية
من غريس برادلي، المراسلة الخاصة لموقع أميركا دوت غوف




طفلة في الثالثة من العمر مصابة بتشوه خلقي وعقلي تتلقى العلاج في عيادة تدعمها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في جنين. (غريس برادلي)

حبا محمد البالغ الثالثة من العمر على يديه وركبه على الأرض الإسمنتية حتى وصل والدته ليشد طرف ثوبها مشيراً إلى الباب. وانتشرت ابتسامة عريضة على وجه تغريد أبو رباح وراحت ترحب بمقدميّ العلاج الطبيعي (كالتدليك والتمارين الطبيعية) القادمين من "جمعية بيت المسنين والمعوقين الخيرية" في جنين. فهما يأتيان إلى المنزل كل أسبوع لتدليك أطراف ابنتها وابنها لتليينها. ويعاني الطفلان منذ مولدهما من الشلل الدماغي وقد توفيت شقيقتهما أخيراً نتيجة مضاعفات ناجمة عن نفس المرض.ويشاهد المرء في منزل عائلة أبو رباح الإسمنتي، في أحد أركان المطبخ، موقد فحم بارتفاع ركبة الإنسان ينبعث منه الدخان بدون لهب ويشكل مصدر التدفئة الوحيدة المتوفر لهذه الأم الفلسطينية لتدفئة بيتها المؤلف من حجرتين في أحد الأيام في أواسط شباط/فبراير. إلا أن الشعور بالبرد داخل المنزل يفوق الشعور به في حقول البصل المعرضة للرياح في قرية جلبون، على بعد 14 كيلومتراً من جنين.
ولم يخلع مقدما العلاج الطبيعي سترتيهما وأبديا ارتياحاً غير معتاد لدى ملاحظتهما أن نافذة مكسورة الزجاج والشقوق في الجدران تسمح بدخول الهواء الخارجي إلى المنزل. فالهواء النقي يقلص من خطر موت جميع أفراد العائلة اختناقاً نتيجة الكانون التقليدي (أو المنقل) المحتوي على الفحم.
وكانت سوسن، وهي صبية في الثانية عشرة من العمر، جاثمة بين الوسائد الموضوعة على الأرض، تنظر إلى السحب البيضاء الصغيرة المكونة من الهواء الذي تزفره بينما راحت تهز يديها. وقد قامت بجميع التمارين والتمطي بحماس، كشقيقها الأصغر تماما. وإذا ما أجريت لمحمد عملية جراحية لمعالجة وتر العرقوب، وهي جراحة تبلغ كلفتها حوالى ألفي دولار، من المحتمل أن يتمكن من تعلم السير وحده بدون مساعدة.
وقال المسؤول عن معالجته: "إن عمليته الجراحية ملحة؛ وكلما تأخرت، كلما ازدادت المشاكل التي سيعاني منها." ويتم التفاوض حالياً حول التوصل إلى طريقة لدفع كلفة العملية الجراحية.
أما بالنسبة لشقيقته، فلا يوجد مثل هذه الطريقة السريعة للعلاج. ويبذل مقدما العلاج الطبيعي أقصى جهودهما للحيلولة دون تدهور حالة عضلات وعراقيب الطفلين. ويقدمان لتغريد أفكاراً تفيدها في تمريضهم وجلسات من الرعاية النفسية لها، وهي التي يتعين عليها أن تعتني أيضاً بثلاثة أولاد أصحاء.
وقالت آيرين سنيورا، وهي مسؤولة عن المنح في منظمة كير إنترناشنال، الوكالة التي تطبق برنامج التواصل هذا الذي تموله الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لصالح الفلسطينيين الذين يعيشون في أماكن نائية ويواجهون مشاكل في الحركة والتنقل ولديهم أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، "إننا نخطط لإدخال تغييرات على منزلهم تجعله صالحاً لاستخدام كرسي العجلات." وتضطر تغريد عادة إلى حمل الولدين في شوارع القرية غير المعبدة بدون مساعدة، ولذا فإنهم قلما يغادرون المنزل. وقد كبرت سوسن وتكاد عربة الأطفال التي تبرعت بها العيادة تصبح غير صالحة لها.
وأوضحت تغريد أنه "عندما رُزقنا ابننا وتبين أنه ثالث طفل يولد مصاباً بالشلل الدماغي، لم يتمكن زوجي من التغلب على الإحباط واليأس. إنه منهك تماماً عاطفيا." وتلا ذلك شعور شديد بالكآبة وبدأت أحوال الأسرة المادية تتدهور. ولم يكن بمقدور الأب، وهو عامل بالمياومة، القيام بعمل بدوام كامل حتى لو لم تكن البطالة متفشية في المنطقة. فهو يقاسي من وجع الظهر نتيجة قرص فقري مفتوق كما أنه يعاني من ضعف البصر.
وتتلقى العائلة المساعدة ضمن برنامج المساعدات الطبية الطارئة للفلسطينيين، وهو برنامج مدته ثلاث سنوات بميزانية تبلغ 30 مليون دولار، تموله الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. ومن نشاطات البرنامج، تقديم الدعم للمنظمات المحلية المؤهلة لتحسين صحة ومستوى معيشة المعوقين في الضفة الغربية.
وتتمحور هذه الخطة المحددة التي تفيد 296 شخصاً حول عيادة تساعدها الوكالة الأميركية، وتضم مركز علاج وعدداً من غرف النوم وقاعة طعام لحوالى 50 مسناً لا يمكن الاعتناء بهم ورعايتهم في المنزل. ويتشارك الأحداث من ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنون في نفس المبنى، وفي بعض الأجهزة أيضا. وقد ركبت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية مصعداً ينقل المعوقين إلى الطابق العلوي، حيث يتم إجراء جلسات العلاج الطبيعي والعلاج بالعمل؛ أما الطابق الأرضي فمخصص لمركز للرعاية أثناء النهار.
وتوظف العيادة، التي تديرها جمعية خيرية معروفة، هيئة موظفين حاصلين على شهادات مرخص لهم بالعمل وتقدم الرعاية للمرضى المحتاجين في منطقة جنين. وأوضح رئيس جمعية بيت المسنين، محمد يحي، "أن جنين من أفقر المناطق في الأراضي الفلسطينية." ويسافر فريق العيادة الطبي إلى 19 قرية من القرى المحيطة بجنين الواقعة في القسم الشمالي من الضفة الغربية، الذي يشكل منطقة زراعية تعاني الآن من عدم توفر الأعمال الكافية.
ويشعر مقدمو الرعاية الصحية بالأمل عندما يشاهدون إعاقات منذ المولد يمكن التغلب عليها بالتصميم والعزيمة، حتى في عائلة تقاسي من المصاعب المالية ودخلها الوحيد هو ما يجنيه الابن البالغ الـ 20 من العمر. وقد كان فردان من أفراد هذه العائلة المكونة من 11 شخصا، هما رحمة، 15 سنة، وشقيقها الأصغر منها بعامين، حمزة، جنينين يفوق حجمهما الحجم المعتاد إذ كان وزن كل منهما لدى مولده 4,5 كيلوغرام. وهما يعانيان اليوم من قدرة محدودة على الحركة لأن أكتافهما تضررت وشُلت أثناء مولدهما في مستشفى في جنين.
وتقول رحمة التي تلقت معالجة مكثفة بالعمل، "لقد صرت أكثر سعادة؛ فأنا أستطيع أن أمشط شعري وأن ألبس ملابسي وحدي." ورحمة تلميذة في مدرسة تضم تلاميذ من عمرها وهي تحلم بأن تصبح مقدمة علاج طبي. وقد بدت السعادة على وجه والدتها لدى سماعها ابنتها تعبر عن هذا الطموح الناضج. وقالت الأم لآيرين سنيورا أثناء زيارة قامت بها الأخيرة لهم "سوف يتحقق ذلك، إن شاء الله، بالدأب على العمل وبعض المساعدة. إنكم تبقون أحلامنا حية."