منذ عدة سنوات - لا تبعد عن زماننا كثيرًا- صرنا نسمع عما يسمى "زواج مسيار" وقد روج لهذا الزواج - بمفهومه الشائع الآن لدى أغلب الناس- مجموعة من الأبواق التي نفخ فيها الغرب شرائعه المنسوخة بشريعة الله التي أنزلها على رسول البشرية محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي أمرنا من خلالها من إشهار الزواج ولو على مستوى عدة أفراد من أهل الزوجين، وأنه لابد لصحة الزواج من ولي وشهود ومهر، وما ذلك بتجن من الشريعة الإسلامية وكبت للحريات كما قد يظن البعض، ولكنه ضرورة حتمية لئلا تهدر وتضيع حقوق كثيرة في زوايا وخفايا السرية التامة التي تتم بين اثنين لا ثالث لهما إلا القناعة الشخصية وأحلام الرغبة الجامحة التي يتلاشى بريقها بمجرد أن يصبح الحلم حقيقة واقعة، وهذا يحدث في أغلب الحالات المعايشة والمشاهدة، وقد سعت أغلب وسائل الإعلام بدافع لا يخفى على عاقل إلى تكريس فكرة هذا الزواج في أذهان بعض المرضى من المنافقين الذين رأوا في مثل هذا الفعل بوابة مشروعة للدخول إلى أدران العلاقات المحرمة، وقد أشبعته الفضائيات العربية وألسنتها ركلاً وقذفًا بالأحلام حتى كاد البعض منا يظنه نوعًا جديدًا من أشكال الزواج الذي ابتكر من أجل ظروف معينة طرأت على مجتمعاتنا "الخليجية"، وفرح به كثير من فئة "لهم قلوب لا يفقهون بها" حيث ظنوا أن هذا الزواج يتم بمجرد الاتفاق السري بين اثنين لا ثالث لهما.. وفي الحقيقة أن "زواج المسيار" ليس بدعًا من الزيجات؛ لأنه موجود في منطقتنا منذ زمن لا أعلم مقداره وإلى وقت قريب وقد كانت الحاجة تدعو إليه، ولكن ليس بمفهومه الحالي المشوه، فقد كان زواجًا تام الشروط منتفي الموانع يتم بين رجل وامرأة يدرك كل منهما حاجة الآخر للبقاء مع أسرته، ويرضى كل من الطرفين بجزء محدود من وجود الآخر معه، فمن جانب المرأة قد تكون الفتاة وحيدة أبويها ويصران على عدم فراقها وقد يكون لا خادم لهما غيرها، وقد يكون لديها بعض الموانع الصحية أو غيرها من العوارض التي لا تؤهلها لتحمل مسؤولية بيت وأطفال وحدها، وقد تكون ذات أسرة وأطفال من زوج توفي أو طلق والصغار لا يزالون بحاجة وجودها إلى جانبهم في منزلهم... والكثير من الأسباب التي لا أكاد أحصيها، وأما من جانب الرجل فربما تكون الأسباب أكثر، وهو بذلك يرغب في الزواج بهذه الطريقة إلى أن تنفرج الأزمة وتتهيأ الظروف لانتقال الزوجة معه إلى سكنه، ففيما مضى من زمن مجتمعنا ما كنا نسمع ونرى مثل هذه الأعداد من النساء والرجال غير المتزوجين، فالكل كان متزوجًا بالطريقة التي تناسب وضعه المادي والمعنوي لدرجة أنه إذا وجد في الحي رجلاً أعزب أو امرأة عزباء لا يتركونهم وشأنهم بل يسألون عن سبب عدم زواج الرجل ويلحون في تزويجه ويسعون لإيجاد زوج مناسب للمرأة وكل حسب ظروفه وقد كانت أغلب المجتمعات تطبق الصورة المثلى للتكافل الاجتماعي كما أمر به دين الفطرة السليمة "الإسلام" فلا وجود لشيء يسمى حرية شخصية، ولم تكن مجتمعاتنا تتقاذفها الأهواء والشهوات الفردية بعيدًا عن رغبة الجماعة، وقد كانت ترفل في نعيم من الهدوء والسكينة والاستقرار المعنوي والمادي الذي افتقدته مجتمعاتنا الحالية عندما تبعت خطى "المغضوب عليهم" "والضالين"!.
خلاصة القول أن "زواج المسيار" كان زواجًا رائجًا حلت به كثير من الأزمات المعقدة التي تتسبب في ارتفاع سن الزواج وما يحمله من السلبيات التي ما كانت لتحدث لو أننا سعينا مجتمعين إلى تخطي حواجز الظروف والعوائق التي تنخر في صميم المجتمعات وتحطم تماسكها، والسبب والمتهم الأول عزوبية الطرفين.