حقا يجب أن نعترف بأن المقاطعة كانت خبطة !!
وما أعنيه هنا , الخبطة التي تشبه حجرا يسقط في أفلام الكرتون على رأس ذئب فتجعل عصافيرا ونجوما تدور حول رأسه ويفقد ذاكرته .
المنتجات الأمريكية أغلبها بدأت تفقد ذاكرة انتمائها , وصارت تنتمي لكل الدول ( الأخرى ) التي نعرفها بل وحتى التي لم نسمع بها من قبل ..
قبل أسبوعين كنت في السوق ( السوء كما تسميه جدتي )!! ووجدت إعلانات معلقة هنا وهناك كالمعتاد .. الغريب أن لافتات الإعلان على خلاف العادة لم تكن تغطيها طبقة من غبار .. مايعني أن ثمة تجديد حاصل .. والتجديد مثير للدهشة!!
( يالله تحضرنا بالفعل ! ) كان لي ان أهتف أول مارأيت أن عبارة ( صنع في كندا ) كانت قد التهمت نصف مساحة إعلان ملون وكبير . (( ياااااه ! صرنا نهتم بأماكن صناعة المنتجات , والمنتج يدرك ذلك فيكتبه لنا بالخط العريض! ))
لكني ماأن أعدت قراءة اسم المنتج حتى قرأت عليه المعوذات ومضيت . لقد نسي بلاده الأصلية التي منذ أن خلقني الله وأنا أعرف أنها الولايات المتحدة وليست كندا .. !
(( هدي أعصابك ... شوي شوي ! )) هتفت من جديد وأنا أمر بورقة بيضاء كبيرة , معلقة على واجهة محل , وقد احتشدت عبارات التبرئه من الإثم على وجهها ( أو هكذا جعلتني طريقة صياغة الكلام أشعر ) عليه أغلظ الأيمان والقسم معقود بختم الإدارة , وتوقيع المدراء , وبصم الموظفين ( أعني .. ماكان ينقص الأمر سوى أن يبصم هؤلاء الذين لا شأن لهم .. ) ولأني من النوع التقليدي الذي لا يغير طبعه , فقد رفعت رأسي هذه المرة أيضاً لأقرأ اسم المحل , فأكملت رفع رأسي سقوطاً إلى الخلف في ضحكة حمدت الله على أنها جاءت في وقت الصلاة والرجال لا أثر لهم .
كان المحل أمريكياً أبا عن جد . بل إن إشاعات - تكاد تكون أكيدة - تثبت عليه دفع نسبة ثابتة لإسرائيل .. !
وامتدت فترة الصلاة فاتجهت مع أهلي إلى مجمع المطاعم . (( يا محمد , لاتعود تجيب لنا من هالمطعم .. قلت لك أمريكي , مانبيه ! )) سمعت جدة طاعنة في السن تقول من بين ماتبقى لها من أسنان . (( لا ! يقولون هذا صار يدفع فلوس لفلسطين ياخاله ! )) سمعت امرأة أخالها أم محمد تقول (( صدق ! ؟ الله يجزاهم بالخير .. أجل هالمطعم زين .. بارك الله فيك ياوليدي ! )) ومالبث الإنبهار أن انقلب إلى شهقة , إذ سمعت محمداً يعقب على كلام أمه : (( وأصلاً ياجدتي , يقولون أنه صار مسلم خلاص !! ))
وأيقنت أن الخبطة لاتغير الذاكرة فحسب . وإنما العقيدة والدين والمحلات كذلك .. !
(( تفضلي ياخاله ! )) استقبل البائع أمي مع عودة الأسراب الرجالية إلى محلاتها . سألته أمي بطبيعة الحال عن محل صناعة الملابس التي راقت لها واحدة واحدة .. كلها كانت مصنوعة في (( لبنان ! )) . رفعت يدي عاليا . أتذكر أنها كانت في المرة الماضية مصنوعة في فرنسا والولايات المتحدة . لكنها ولله الحمد - المنتجات أعني - ثابت إلى رشدها . وتذكرت أنها لبنانية المنشأ ..
****************
يسعدني الآن أن أغفو مطمئنة .. وأهرع إلى البقالة في الشارع المقابل .. ريقي قد اشتاق إلى كل الحلويات التي طال هجرها .. والآن عادت إما ( معبأة ) في استراليا أو ( مصدرة ) من هولندا , أو ( مرت ) بمصر .. الأن يسعني أن أقلب كراتينها وقرطاسها فلا أجد لوصمة العار (( صنع في الولايات المتحدة )) أدنى أثر ..
عندي قائمة من مخططات مقبلة لمطاعم ومحلات افتقدها بجنون !!
عندي قائمة طويلة لا آخر لها ..
وقبل أن أجري في كل الإتجاهات أرمي بهذه في أحضان المقاطعة / الخبطة ..
ياااااااه .. شكراً لكِ عليكِ !!
***************
مجلة حياة .. ( العنود السلطان ) - باختصار -
الروابط المفضلة