صورتان متضادتان
للإسلام والمسلمين في العهد الإسلامي الأول


للعلامة: أبي الحسن الندوي

كيف كان عهد الإسلام المثالي الأول، وما هي النتائج العملية لتعليم أعظم الأنبياء وآخرهم e وتربيته؟
وكيف كانت سيرة أولئك الرجال الذين كانوا قد تربوا في أحضان النبوة ومدرستها، هل كانت سيرتهم تتميز عن سيرة مؤسسي الحكومات الشخصية والطامعين في السلطة أم لا؟
كيف كان شأنهم مع قراباتهم، وكيف كان عمل هذه القربات نفسها في استغلال شخصيتها العظيمة والمقدسة، كيف تتجلى سيرة أهل البيت ومنهجهم في دعوتهم إلى الدين وإعلان الحقيقة والصدق، وفي العمل بالعزيمة؟
ثم كيف كانوا وضع علاقات هذه الطائفة من المسلمين الأولين، وتلاميذ مدرسة النبوة فيما بينهم بجميع من سعدوا بصحبة النبي e الذين يعرفون بالصحابة، وأعضاء أسرته الذين يلقبون بقلب أهل البيت والذين تولوا زمام الخلافة والسلطة في هذا العهد المثالي – وهم الخلفاء الراشدون- كيف كانت حياتهم في ضوء التاريخ الموثوق به، ومعاملتهم مع خلق الله تبارك وتعالى في حدود حكوماتهم الواسعة، وكيف كان مستوى معيشتهم في الحياة المنزلية والشخصية مع توافر السلطة الشاملة، واتساع الإمكانيات ووسائل الرفاهية والراحة والترف ؟ وما حقيقة صحبة الصحيفة السماوية التي يقوم عليها أساس الدين بكامله، ومدى صحته؟
وفي ضوء الردود على هذه الأسئلة تتمثل أمام الأعين صورتان متضادتان متوازيتان عرضناهما في الصفحات السالفة، فهناك صورة تتمثل للعالم في ضوء عقائد أهل السنة، وصورة ثانية تتركب بعقائد الفرقة الإمامية الإثنا عشرية وتصريحاتها، ومن تصورها الخاص للإسلام، وتفسيرها لتاريخ الإسلام، وشرحها للدين، وكلنا هاتين الصورتين متنافرتان ومتعارضتان .
والآن نترك الحكم للعقل السليم، فكل من رزقه الله سلامة العقل، وجدارة الإنصاف، والفرصة المواتية للاطلاع على التاريخ الإنساني، يستطيع أن يحكم سهولة في الصورة التي تصلح للذين وتتفق معه، ذلك الدين الذي أرسله الله إلى العالم كافة، رحمة وهداية للناس، والذي يدعي أنه صالح للعمل به في كل زمان، وتظهر منه نتائج باهرة الحياة الإنسان، وذلك الدين الذي يعتقد ويعلن أن النبي الذي حمل هذا الدين إلى العالم كتب له أكبر نجاح في مجهوداته بالنسبة إلى غيره، وكان عهده في تاريخ هذا الدين ودعوته أسعد وأزهر من كل عهد آخر، وينبغي أن يكون كذلك في ضوء العقل والنقل، وأي صورة تكون أفضل وأنفع وأعظم مفخرة للإنسانية التي يزخر تاريخها في معظم الأحوال بالتطلع إلى أسباب الأكل والشرب، والترف والنعمة والقتال في سبيل أغراض شخصية وقومية، والسعي وراء الفوز بالسلطة والحكم، ثم استغلالها في خدمة مصالحها ومصالح أتباعها .
وإن الإسلام في عهده الأول لم تقم فيه حياة الأفراد فحسب على أسس المبادئ الثابتة والهداية العامة والسعادة البشرية، بل إن مجتمعاً إنساناً بأسره، والمدنية ونظام الحكم وأسلوب الحياة، كل
ذلك قام على هذه الأسس، وكان تاريخه تصديقاً لما قاله الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز في إحدى الناسبات: ((إن محمداً e إنما بعث هادياً، ولم يبعث جابياً)) .
بالعكس من ذلك فإن صورة المسلمين الأولين التي تبرز للعيون في ضوء معتقدات الفرقة الإمامية وتصريحاتها تثير تسائلاً في نفس كل مثقف ذكي بحق، وهو أن الدعوة الإسلامية إذا لم تتمكن من التأثير العميق في الحياة أيام ازدهارها على يد دعاتها الأعظم، وإذا كان المؤمنون بهذه الدعوة لم يستطيعوا البقاء على الجادة القويمة، ولم يعودوا أوفياء لدعوة نبيهم e مع وفاته وذهابه إلى الرفق الأعلى، ولم يبق على الصراط المستقيم الذي ترك عليه النبي e أتباعه، إلا أربعة معدودة فقط، فكيف نسلم أن هذا الدين يصلح لتزكية النفس الإنسانية، وتهذيب الأخلاق، وأنه يستطيع أن ينقذ الإنسان من الهمجية والشقاء، ويرفعه إلى قمة الإنسانية .
هب أن ممثلاً للإسلام يلقي محاضرة بليغة ساحرة في صدق الإسلام في أي عاصمة غربية أو بلد غير مسلم، وفي خلال المحاضرة.
يقوم رجل ويقاطعه قائلاً: عليك بنفسك ودينك أولاً أيها الرجل فتفقدهما في ضوء التاريخ، فما دامت نتيجة مجهودات نبيكم المضنية في سبيل هذا الدين التي دامت ثلاثاً وعشرين سنة أن اهتدى إلى طريقة أربعة أو خمسة أشخاص فحسب ممن ظلوا قائمين بالدين، فكيف يسوغ لكم أن توجهوا دعوة الإسلام إلى غير المسلمين وماذا يضمن ثباتهم واستقامتهم إذا أسلموا؟

هل يمكننا أن نرد على هذا السؤال ؟؟!!