السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

و أنا أتصفح أحد مواضيع الحوار العام
هالني دعوة أحد الأخوات إلى التشبث بالقومية
هذه القومية التي كانت سبب الحقد الدفين بين المسلمين و سببا من أسباب
التشرذم و التفرقة
فرأيت أن أنقل لكم موضوعا يبين حقيقة القومية وما يجب على المسلم اتجاهها
سائلا الله أن ينفع بها
و أن يدخر لي أجرها حين لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم

حكم الإسلام في القومية

حتى نصدر حكما على فكرة ما، يجب علينا أولا أن نفهم معنى هذه الفكرة و واقعها و الغاية التي تهدف إليها ، و بعد ذلك نصدر حكمنا من خلال الاسلام على تلك الفكرة. فما هو معنى فكرة القومية ، و ما هو واقعها، و ما هي غايتها؟

القومية، في اللغة العربية "قوم الرجل : شيعته و عشيرته" هكذا في لسان العرب لابن منظور. و لكن في الاصطلاح الحديث هي ترجمة لكلمة nationalism المستعملة في اللغات الأوروبية. و هذا الاصطلاح الحديث دخيل على اللغة العربية، و دخيل على فكر المسلمين. و بناء علي اصطلاح الأوروبيين هذا، فهي تعرض على أنها رابطة للمجتمع تربط بين مجموعة من البشر يشتركون بخصائص و صفات مشتركة. فما هي العناصر التي تؤلف تلك الخصائص و الصفات؟ لم يستطع أصحابها أن يتفقوا على مجموعة العناصر التي تشكل "القومية" و لا أن يحددوا مدلولها بشكل منضبط. فمنهم من قال إن مقومات القومية هي الدين، و منهم من قال هي العادات و التقاليد المشتركة، و منهم من قال هي اللون أو العرق البشري، و منهم من قال هي المنطقة الجغرافية، و منهم من جمعها كلها، و منهم من جمع بعضها و رفض البعض الاخر.

و إذا نظرنا إلى هذه العناصر : اللغة و الرقعة الجغرافية و التاريخ المشترك و المصالح المشتركة... نجد أنها نتائج و ليست سببا. إنها نتائج توجد عند الناس الذين تكون بينهم رابطة تربطهم، و ليست هذه العناصر هي التي تشكل الرابطة. الذي يوجد الرابطة بين الناس هي وحدة أفكارهم، و خاصة الأفكار الأساسية. و لتوضيح ذلط نأخذ المجتمع المكي قبيل بعثة النبي محمد صلى اله عليه و سلم. كانت قبيلة قريش تشكل المجتمع المكي (كان هناك ناس من قبئل أخرى و لكن كانوا تبعا لقريش و يحملون الولاء لها). هذه القبلية كانت ذات لغة واحدة، و تاريخ واحد و رقعة جغرافية واحدة، و عرقية عصبية واحدة، و مصالح مشتركة. و كانت في الوقت نفسه تحمل أفكارا مشتركة.

جاء الاسلام و لم يتعرض إلى لغتهم و لا تاريخهم و لا عرقيتهم و لا جغرافيتهم و لا مصالحهم ، و إنما تعرض لشيء واحد، هو أفكارهم بدءا بالعقيدة الأساس، مرورا بالعقائد الفرعية وصولا إلى سلوكهم و قيمهم و مقاييسهم و معاملاتهم.

بعد مدة حصل انشقاق في المجتمع المكي : فريق مسلم و آخر مشرك. و هاجر قسم من المسلمين إلى الحبشة و صبر قسم آخر على الأذى و المقاطعة، ثم هاجروا إلى المدينة. ثم وقعت حروب طاحنة بين الفريقين.
لماذا حصل الانشقاق، مع أن كل العناصر التي يزعمون أنها تشكل الخصائص و الصفات التي توجد الرابطة موجودة ، ما عدا عنصر الوحدة الفكرية؟
ثم بعد فتح مكة و دخول قريش إلى الاسلام عادت الوحدة الفكرية إلى المجتمع المكي، و لكن هذه المرة على أساس الاسلام و مفاهيم الاسلام، فعادت اللحمة إلى مجتمع مكة من جديد.
و هذا المثال الواضح يرينا أن الذي يوجد الرابطة و الوحدة و الاندماج و الانسجام هو وحدة الأفكار. و كلما ازدادت نسبة الأفكار لمتفق عليها في المجتمع قويت الرابطة و اشتدت أواصرها، و كلما ازدادت نسبة الأفكار المختلف عليها تشقق المجتمع و تفكك. و لا نظن أن شخصا عاقلا نزيها يماري في هذا الرأي.

إن فكرة القومية التي انتشرت في بلادنا هي القومية العربية فلنلق الضوء عليها بشكل خاص. فالقوميون العروبيون يرون أن "العرب" يشكلون "أمة واحدة" مستقلة عن غيرها من الشعوب و ألأمم، فهم "أمة عربية" و ليسوا "أمة اسلامية" و لا جزءا من "أمة اسلامية"، إذ لا وجود "لأمة اسلامية" بنظر هؤلاء. و يرون أن الرابطة التي تجمع هذه "الأمة" هي اللغة العربية بشكل أساسي.

فما هو الموقف الشرعي من تلك الفكرة؟


فهؤلاء نقول لهم ، إن الله تعالى يقول للرسول صلى الله عليه و سلم: قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا" .. سورة الأعراف آية 158
و يقول عز و جل: "و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" سورة الأنبياء آية 107
و يقول سبحانه و ما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا و نذيرا ..سورة سبأ آية 28
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة و بعثت إلى كل أحمر و أسود.
فرسالة الاسلام رسالة عالمية و ليست للعرب وحدهم ، و الأمة تضم المؤمنين من العرب و غيرهم . فقد كان في نص الوثيقة التي كتبها الرسول صلى الله عليه و سلم فور وصوله إلى المدينة و قيام الدولة الاسلامية الأولى أن "المؤمنين و المسلمين من قريش و يثرب و من تبعهم و جاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس" سيرة ابن هشام
فالأمة الاسلامية حين انتشرت و توسعت ضمت في رحابها من العجم و سائر الشعوب أكثر مما ضمت من العرب. و ها هي الامة الاسلامية اليوم تربو على مليار نسمة, لا يزيد العرب عن ربعهم و الباقون من غير العرب.
و لنتذكر وصية الرسول صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع: " يا أيها الناس ، ألا إن ربكم واحد، ألا إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، و لا لعجمي على عربي, و لا لأسود على أحمر , و لا لأحمر على أسود, إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم"

نعم لقد تمسك المسلمون باللغة العربية ، إلا أنهم لم يتمسكوا بها بدافع قومي أو عنصري، و إنما تمسكا بالاسلام نفسه الذي نزل بلغة العرب ، و هي اللغة التي يحترمها جميع المسلمين عربا و غير عرب، و يسعون إلى تعلمها و إتقانها . و ها نحن نرى أن اللغة العربية انتشرت مع انتشار الاسلام ما بين الخليخ شرقا و المحيط الأطلسي غربا، و تصل إلى حدود الأناضول شمالا، بعد أن كانت حبيسة الجزيرة العربية. فهل كان لتلك اللغة أن تنتشر لولا ظهور الاسلام؟
لذلك فإن الدعوة إلى القومية هي دعوة إلى عصبية جاهلية جدية، و ليست من الاسلام في شيء. و الداعي إلى القومية مرتكب لمعصية كبيرة و آثم عند الله تعالى.


جزاكم الله خيرا على تجشمكم الدخول و قراءة الموضوع
أسأل الله أن يُؤلف قلوبنا تحت لواء
لا إلــــــه إلا الله

و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين