كان يتعوذ رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه منه ويقول في دعائه بعد التشهد الأخير في صلاته :
(اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل ومن غلبة الدين وقهر الرجال)
فلماذا يتعوذ بالله منه ولماذا أوصانا الحبيب صلى الله عليه وسلم بذلك!
إن المتأمل للكسل وسلبياته على الأمة والفرد ليجد أنه سبب رئيسي في تخلفها بجميع النواحي سواء الإقتصادية أو السياسية أو الصناعية ..
والمسلم والمسلمه وهم نواة هذا المجتمع مطلوب منهما ان يكونا نشيطين في سائر أحوالهم لتنهض الأمة وتعود للقيادة بعد هذا الرقود الطويل واعتمادها على الأمم الكافرة في جميع شؤون حياتها..
ولن تتبدل أحوالنا إلا إذا سلكنا منهج السلف الذي نهض بهم فقادوا الأمم وتنور العالم بعلمهم ..
فهيا نقرأ بعض سيرهم وكيف أنهم اهتموا بوقتهم:
قال يوسف بن أسباط:
كتب إلي محمد بن سمرة السائح هذه الرسالة :
أي أخي !
إياك وتأمير التسويف على نفسك ، وإمكانة من قلبك ، فإنة محل الكلال ، وموئل التلف ، وبه تقطع الآمال ، وفـيه تنقطع الآجال ، فإنك إن فعلت ذلك أدلته من عزمك وهواك عليه فعلا، واسترجعن من بدنك من السآمة ما قد ولى عنك ، فعند مراجعته إياك لا تنتفع نفسك من بدنك بنافعة .
وبادر يا أخي ! فإنك مبادر بك ، وأسرع فإن مسرع بك ، وجد فإن الأمر جد ، وتيقظ من رقدتك ،وانتبه من غفلتك ، وتذكر ما أسلفت وقصرت ، وفرطت وجنيت وعملت ، فإنه مثبت محصى ، فكأنك بـالأمر قد بغتك ،
فـاغتبطت بما قدمت أوندمت على ما فرطت .
قال رجل لعامر بن عبد قيس: قف أكلمك فقال : أوقف الشمس.
وكان بعضهم إذا جلس الناس عنده فأطالوا الجلوس يقول: أما تريدون أن تقوموا، إن ملك الشمس يجرها لا يفتر.
كانوا يبخلون بأوقاتهم وأنفاسهم أن تنفق في غير طاعة الله عز وجل، وكانوا أحرص على أوقاتهم من حرصنا على دنانيرنا ودراهمنا.
مات ابن لأبي يوسف تلميذ أبي حنيفة فوكل أحد جيرانه في غسله ودفنه لئلا يفوته درس من دروس شيخه أبي حنيفة.
كان ثابت البناني يستوحش لفقد التعبد بعد موته فيقول: يا رب إن أذنت لأحد أن يصلى في قبره فأذن لي.
وكان يزيد الرقاشي يبكي ويقول: يا يزيد من يبكي بعدك لك، من يترضى ربك عنك.
ودخلوا على الجنيد عند الموت وهو يصلي فاستغربوا قال: الآن تطوى صحيفتي.
وقيل لأبي بكر النهشلي وهو في الموت: إشرب قليلا من الماء قال: حتى تغرب الشمس.
قال الحسن البصري رحمه الله : ابن آدم ، إنما أنت أيام ، وكلما ذهب يوم ذهب بعضك ، وكان الخليل بن أحمد الفراهيدي يقول : اثقل الساعات عليّ ساعة آكل فيها .
وقال وهيب بن الرود : إن استطعت ألا يشغلك عن الله تعالى أحد فافعل .
وهذا هو الإمام ابن الجوزي يشرح تلك الحال ويحكي لنا كيف استفاد من الوقت في حضو البطالين الفارغين فيقول :
لما رأيت أن الزمان أشرف شيء والواجب انتهازه بفعل الخير ، كرهت ذلك وبقيت معهم بين أمرين : إن أنكرت عليهم وقعت في وحشة لموضع قطع المألوف ، وإن تقبلته منهم ضاع الزمان ، فصرت أدافع اللقاء جهدي ، فإذا غلبت قصرت في الكلام لأتعجل الفراق ، ثم أعدت أعمالا لا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم ؛ لئلا يمضي الزمان فارغا ... فجعلت من المستعد للقائهم قطع الكاغد ( أي الورق) وبري الأقلام ، وحزم الدفاتر ، فإن هذه الأشياء لا بد منها ، ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب ، قأرضدها لأوقات زيارتهم لئلا يضيع شيء من وقتي .
ونقل عن ابن جرير الطبري المفسر المشهور أنه قال لأصحابه : اتنشطون لتفسير القرآن ؟ قالوا : كم يكون قدره ؟ قال : ثلاثون ألف ورقة ، فقالوا : : هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه ، فقال : إنا لله ! ماتت الهمم ، فاختصر في نحو ثلاثة آلاف ورقه .
وحقاّ ما قاله الوزير ابن هبيرة رحمه الله
والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه ***** وأراه أسهل ما عليك يضيعُ
فهلا اتعظنا بسيرتهم واقتفينا أثرهم...
الروابط المفضلة