تنطلق أي أمة من الأمم في دربها الحضاري من مجموعة الأفكار التي على أساسها تشيد الأمة صرح حضارتها ، ويقدم الواقع شواهد عديدة على أن سلوك الأفراد في مجتمع من المجتمعات ما هو إلا الترجمة العملية لما يؤمنون به من أفكار ، ولهذا نجد أن المجتمعات تتقدم أو تتخلف تبعاً لنوعية الأفكار التي يعتنقها أفرادها "فصحة المجتمعات أو مرضها أساسهما صحة الفكر أو مرضه " و " المجتمعات التي تدور في فلك الأفكار الصحيحة ، تتفوق على تلك التي تدور في فلك الأفكار الخاطئة ، كما كانت حال الأمة المسلمة الأولى في صدر الإسلام وتفوقها على مجتمعات الرومان والفرس وغيرها " .
ومعلوم أن جزيرة العرب لم يكن بها قبل نزول القرآن إلا شعب بدوي يعيش في صحراء مجدبة ، حتى إذا جاءت أفكار الرسالة ، تحول الرجال الذين لا يزالون في بداوتهم والقبائل ذات الحياة الراكدة .. تحول هؤلاء إلى رجال يحملون للعالم الحضارة ويقودون فيه التقدم والرقي . فماذا دخل حياة المجتمع العربي يومئذ ؟ » لم يدخل حياته عامل جديد ينقله تلك النقلة الهائلة في كل جانب من جوانب الحياة ، إلا ذلك التصور الاعتقادي الجديد .. ذلك التصور الذي جاء إلى عالم الإنسان بقدر من الله ، والذي انبثق منه ميلاد للإنسان جديد « .
فهناك فكرة قد تجعل إنساناً ينحني ويسجد لصنم من الحجر ، وفكرة أخرى تجعل إنساناً آخر يحمل الفأس ليكسر ذلك الصنم ! ! ولأن الأفكار بهذا القدر من الأهمية ، فإنه ومنذ أن تقرر في أوكار الصهيونية تدمير الخلافة الإسلامية ، وأعداء الأمة الإسلامية يحرصون على تخريب الفكر الإسلامي وتشويه العقل المسلم من < ناحية ، ومن ناحية أخرى يقومون برصد الأفكار الفعالة التي تحاول إحياء الأمة ، لكي يقضوا عليها في مهدها أو يحتووها قبل أن تصل إلى جماهير الأمة فتصحح وجهتها أو تعدل انحرافات أفرادها ، ولتبقى الجماهير إذا اجتمعت تجتمع على أساس العاطفة وتحت سلطانها ، وليس على أساس (الفكرة .. والمبدأ) ..
ومن هنا كانت مخططات أعداء الإسلام » لاحتواء وتدمير الأمة الإسلامية تهدف دائماً إلى هزيمة الأمة (فكرياً) ، لأن هزيمة الأمة في أفكارها تجرّدها من الحصانة وتتركها فريسة لأي مرض أو وباء فيسهل بعد ذلك احتواؤها وتفكيك معتقداتها « .
وإذن فالمعركة بين الأمة الإسلامية ، وأعدائها .. ليست معركة واحدة في ميدان الحرب ، بل هي معركة في ميدانين .. ميدان الحرب ، وميدان الفكر ..
والأعداء حريصون في ميدان الفكر على (احتلال) عالم (الأفكار) في أمتنا ، وحريصون في نفس الوقت على توزيع (نفاياتهم) الفكرية من أفكار اللغو كأشعار الغزل والقصص الجنسي والأدب العاري .. وما إلى ذلك ، حريصون على توزيع هذه النفايات إلى أمتنا ، لأنهم يعلمون أن الأمة التي تنتشر فيها هذه الأفكار الفاسدة تصبح غثاء تدور به » الدوامات السياسية العالمية ، ولا يملك نفسه عن الدوران ولا يختار حتى المكان الذي يدور فيه ، وهذا ما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحذر منه : » يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، قالوا : أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ قال : إنكم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل « .
إن أحاطة عدونا بنا ، ووصولنا إلى مرحلة الشتات والفرقة ، ودخول أمتنا مرحلة (القصعة) .. كل ذلك » دليل على وجود خلل في البنية الفكرية والطروحات العقيدية التي أثمرته ، مهما كانت دعاوانا عريضة ، وأصواتنا مرتفعة بالادعاء أننا على النهج السليم « ، ولذلك فإن العاملين في ميدان (إحياء) الأمة لا بد لهم من التمييز بين (أسباب) مرض أمتنا و (أعراض) هذا المرض ، فالأسباب في الحقيقة (فكرية) أساسها المعتقدات والقيم والأفكار ، أما الأعراض فهي سياسية واقتصادية واجتماعية .. ، ومن هنا فإن بداية أي تغيير لا بد أن تحدث في الأفكار ، وبقدر ما تملك الأفكار رصيداً قوياً من الاستجابة لدى الأمة وتغييراً ملحوظاً في مجال سلوكيات أفرادها وعلاقاتهم الاجتماعية ، ستتحول هذه الأفكار ثقافة معطاءة يمكن أن نقول إنها تشكل نقطة البدء في التغيير المنشود
الروابط المفضلة