............... فعرضناها على الطبيب فأكد لنا أن نظرها قد ضعف جدا وأنه قد ينسحب تدريجيا وأنها لا ترى حاليا ماتحت قدميها أي أنها أصبحت شبه كفيفه ورغم ذلك فلم نكن نرحمها وظلت تتقوم بكل أعمال نظافة المسكن وتخرج لشراء الخضر كما كانت تفعل بل وأكثر ما صفعتها إذا عادت من السوق بخضروات ليست طازجه وكثيرا ما كانت تفعل لضعف بصرها الشديد فأشفقت عليها زوجة البواب فكانت تجلسها في مدخل العماره وتذهب هي لشراء الخضروات لها حتى تنقذها من الاهانه والضرب واستمر الحال وهكذا فتره من الزمن ثم خرجت الفتاه ذات يوم من البيت بعد أن أصبحت كفيفه تقريبا ولم تعد مره أخرى ولم نهتم بالبحث عنها هذه المره....
ومضت السنوات فأحيل زوجي للتقاعد واستقبل حياة الفراغ وفقد المنصب والنفوذ أسوأ أستقبال فتضاعفت عصبيته وثوراته وأنفلاتاته إلى حد غير محتمل ومع ذلك فقد تحملته بسبب عشرة السنين
وتخرج أبني في الجامعه وعمل ثم أراد أن يخطب إحدى زميلاته فخطبناها له وهي فتاه رائعة الجمال وتزوجها وسعدنا بها وأكتملت سعادتنا حين عرفنا أنها حامل ثم جاءت اللحظه السعيده ووضعت مولودها فإذا مولودها بنا نكتشف لصدمتنا القاسيه أنه كفيف لا يبصر وتحولت الفرحه إلى سحابة كثيفه من الحزن القاتم وبدأنا الرحله الطويله مع الاطباء بلا فائده واستسلم ابني وزوجته للأمر الواقع وانطفأ الامل في قلبيهما وأدخلنا حفيدنا الموعود بالعناء حضانه للمكفوفين وقررت زوجة ابني الا تحمل مره اخرى خوفا من تكرار الكارثه لكن الاطباء طمأنوها أن هذا مستحيل لأنه لا توجدصلة قرابه بينهما تؤكد العوامل الوراثيه وشجعوها على أن الحمل وإنجاب طفل أخر يعيد البسمه إلى حياتها وزوجها وشجعناها نحن أيضا على ذلك على أمل أن يرزق ابننا بطفل طبيعي يخفف من حزنه وصدمته بالطفل الاول
وحملت زوجة أبني وأنجبت طفله جميله شقراء ونزلت الى الحياةفتوقفت قلوبنا حتى زف الطبيب البشرى بأنها ترى وتبصر كالاطفال العادين وسعدنا بها سعاده مضاعفه وانهالت عليها وعلى شقيقها اللعب والملابس والهدايا وبعد سبعة شهور لاحظنا عليها أن نظرها مركز في أتجاه واحد لا تحيد عنه فعرضناها على اخصائي عيون للأطمئنان على سلامتة عينيها فإذا بالطبيب يصدمنا بحقيقه أشد هولا وهي أنها لا ترى إلا مجرد بصيص من الضوء وأنها معرضه أيضا لفقد بصرها ولا حول ولا قوة إلا بالله ورأى زوجي ذلك فأصيب بحاله نفسيه فسدت معها أيامه وكره كل شيء ثم تطورت حالته حتى نصحنا الطبيب بإدخاله مصحه نفسيه لعلاجه من الاكتئاب وانقبض قلبي وأحسست بهموم الدنيا تطأ صدري بقسوه وفي ضيقي وأحزاني تذكرت فجأه الفتاة الكسيره التي هربت من جحيمنا كفيفه بعد أن أمضت معنا عشر سنوات ذاقت خلالها أهوال الصعق بالكهرباء والضرب والهوان والحرمان وساءلت في جزع هل هذا عقاب السماء لنا على ما فعلنا بها
وأصبحت صورة هذه الفتاه اليتيمه التي أهملنا علاجها وتسببنا في كف بصرها تطادني في وحدتي وتعلق أملي في عفو ربي عما جنينا في أن اجد هذه الفتاه وأكفر عما فعلنا بها ورحت أسأل الجميع حتى دلنا أحد الجيران إلى مكانها وعلمنا أنها تعمل خادمه بأحد المساجد فذهبت إليها وأحضرتها لتعيش معي ما بقي من أيام عمري ورغم كل قسوة الذكريات فقد فرحت بسؤالي عنها وسعيي إليها لإعادتها وحفظت العشره التي لم نحفظها وعادت معي تتحسس الطريق وأنا أمسك بيدها وفرحت بسماع صوت أبنتي الشابه التي طالما أحبتها هذه الفتاه الطيبه في طفولتها وصباها وبسماع صوت ابني الذي عرف الهم طريقه الى قلبه واستقرت الفتاه معنا وأصبحت أرعاها بل وأخدمها هي وحفيديّ الكفيفين وأملي ودعائي لربي أن يغفر لي ما كان لي ماكان وأن أقول لمن نضبت من قلوبهم الرحمه من قلوبهم
إن الله حي لا ينام فلا تقسو على أحد فسوف يجي اليوم تطلبون فيه الرحمه من أرحم الراحمين وتندمون على ما فعلتم في قوتكم وجبروتكم .........................
ودمتم بإذن الله سالمين وأعتذر عن الاطاله أتمنى تعجبكم وتستفيدون منها
أختكم
الروابط المفضلة