ولدت فكرة لأب وأم من شخصيات الزمن الماضي... زمان عنترة وامرؤ القيس وابو زيدالهلالي... زمان الفروسية وأساطيرالشجاعة والشهامة والكرم، كانا شخصان عجيبان في نظر الجميع لا يعرفان من الدنيا الا لونيها الابيض والاسود...
فكان مجيء فكرة الى حياتهما مدعاة لتلوينها بكافة ألوان الفرح الزاهية والجميلة...
نشأت فكرة وتربت في هذا الوسط النظيف النقي لا يعرف لسانها الا لغة الحب الطاهر ولا يعرف قلبها الا نبضات الأحاسيس والمشاعر الصادقة التي لا تعرف الزيف والكذب، ولا يعترف عقلها سوى بطريقين لا ثالث لهما إما طريق الحق وإما طريق الباطل... فليس هناك من طرق متعرجةأو فرعية...
كبرت فكرة وكبر مهعا الخير والصدق الذي زرعه أبواها فيها فكانت في مدرستها ووسط زميلاتها وصديقاتها مثالاً حياً للمبادئ والمثل والقيم اللتي ندر وجودها في هذا الزمان، تلقت من الاوسمة والاشرطة وشهادات التكريم ما عجزت رفوف مكتبها الصغير عن حملة فكانت مصدر فخر لوالديها...
اليوم الذي تخرجت فيه من الجامعة كانت يوماً استثنائياً ... كان حداً فاصلاً ما بين الكلمات والتطبيق... بين الجد والمزاح... أحست فكرة بأن قدميها لا تكادان تلامسان الارض كما لو كانت تمشي فوق السحب تحت أشعة الشمس الساطعة سطوع الحقيقة والصدق...
وكيف لا وعقلها الصغير بحجمه الكبير بمضامينه كان يدفعها الى الامام.. الى حيث النور والعظمة... كان مخزونها من العملات النادرة طافحاً ممتلئاً الى عينه...
ومنذ اليوم الأول لها في حياتها العملية أصيبت فكرة بصدمة عنيفة قلبت رصيدها من الشجاعة والصراحة رأساً على عقب...
وجدت نفسها مطالبة من قبل مرؤوسيها وزملائها بتطبيق نظرية وحوش الغاب وهي ((البقاء للأسوء))...
عفواً... فقد تغيرت نظرية البقاء للأقوى فوحوش الزمان الحاضر قاموا بعدة عمليات تجميل وصنفرة، قصوا شعورهم الكثيفة وملسوها بالجل وصففوها بحيث لا تسبب النفور بأي شكل من الاشكال..
شذبوا أظافرهم الطويلة وبردوها ووضعوا عليها طلاء ملمعاً واستبدلو اصواتهم الخشنة بأخرى ناعمة جميلة تخدع السامع بحلاوتها وعمقها ...
وحوش الزمن الحاضر صور جميلة أنيقة ونفوس مشوهة قبيحة... أنانية... تؤمن بأن ((الأسوء)) هو فقط من يستحق البقاء... هذا هو الطريق لتكون أكثر ثروة... وأكثر نفوذاً... ولكي يحصل ذلك لابد وأن يكون الانسان أكثر قسوة... أكثر نفاقاً ...وأكثر كذباً...
لم تستطع فكرة استيعاب الصدمة... أحست بتقلب في معدتها ودوار في راسها ورغبة شديدة في القيء ...
معذورة فكرة لقد نشأت في وسط نظيف معقم لا يعرف التلوث ولا يعرف سوى حكايات البطولة والوفاء والتضحية...
أحست بغربة شديدة في هذا لمجتمع... أحست بأن الناس تتكلم بلغة غريبة عنها لا تستطيع استيعابها ولعمر الله ان غربة الاحساس لهي أشد على المرء من غربة الوطن...
وكما صدمت فكرة من مجتمعها، صُدم المجتمع بها ولم يتقبلها... فهذا المجتمع لا يرغب في أفراد أغبياء لا يحسنون فن اخفاء الحقيقة، وفكرة غبية لا تفهم أن الكذب الابيض هو اكسجين الحياة... تصر أنه لا توجد كذبة بيضاء أو حمراء أو بنفسجية فالكذب عندها أحادي اللون أسود كظلمة الليل...
كم حاول المجتمع معالجة فكرة من داء الصراحة الزائدة التي تعاني منها فكتب لها روشتة بعدة أدوية مثل: ((حبوب التطنيش)) و ((حقن خليك في حالك)) و ((كبسولات وأنا مالي)) ولكنها رمت بورقة العلاج في أقرب صندوق زبالة...
ونتيجة لعنادها المستمر وغبائها المستفحل فقد اختنقت بدخان التلوث في هذا المجتمع الذي لا يحوي سوى الجحود والخيانة والغدر...
وحتى وهي تموت رافقتها حالة الغباء حيث كانت تصرخ بأعلى صوت: لا تنزعوا عني رداء الصدق لأنه التصق بجلدي واختلط بدمائي والتحم بشراييني؟؟؟

إنا لله وإنا اليه راجعوووووووون ...


منقوله