ِيمَ يُفكِّر أطفال الانتفاضة ؟
"الانتفاضة".. لفظ لم يكن يومًا غريبًا على الطفل الفلسطيني؛ فكثيرًا ما مارسها خلال لعبته المفضلة "يهود وصهاينة" في أزقة وشوارع المخيم الفلسطيني؛ فقسم من زملائه يقوم بدور العرب، يقذف الحجارة والآخر يصوب عليه فوهات بندقيته التي صنعها من عيدان الأخشاب ويحدد من خلالها الطرفان عدد الإصابات التي لم يُرق منها دم يومًا، وينهي هذه الانتفاضة وقتما شاء وهو سعيد فرحان، ولكنها اليوم لم تصبح مجرد لعبة بدون دماء وأرواح، بل حقيقة يشارك في أحداثها، يرى طريقة إعدام أقرانه عبر شاشات التلفاز، وشتان بين الحقيقة واللعب.
فما رأي الطفل الفلسطيني في هذه الانتفاضة التي أصبح جزءاً منها؟ وبماذا يفكر؟ وكيف تمر عليه مشاهد الدم والقتل؟
لعبة (الحيران).. بيان موقف
جذب انتباهي أثناء سيري في أحد أزقة مدينة غزة المزدحمة بالأطفال - بعد أن فقدوا الملاعب- وهم يمارسون لعبة (الحيران) حيث رسموا في منتصف الشارع نجمة إسرائيل، وكتبوا بجانبها باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي، ونظموا أنفسهم فريقين، ويطرد من اللعبة كل مَن تصل كرته إلى نجمة إسرائيل، وردًّا على سؤالنا لماذا اختاروا نجمة داود، قال أحدهم: من تصطدم كرته بنجمة إسرائيل يعني أنه يحب إسرائيل، ويريد أن يتعامل مع الصهاينة، ونحن جميعًا لا نحب اليهود؛ فهم الذين يقتلون الأطفال والشبان، وقتلوا محمد الدرة، ونتمنى ألا يسلم الرئيس عرفات على باراك؛ لأنه قاتل.
أسئلة محرجة
الطفل الفلسطيني يفهم الأمور ويدركها وفق عمره وخبرته الصغيرة، ولكن تساؤلات كثيرة تدور في رأسه يحاول أن يبحث لها عن إجابة، ويعجز الأهل عن إيجاد إجابة لها، وخاصة في ظل مشاهد القتل والدم التي يشاهدها الطفل عبر شاشات التلفاز أو عبر مشاركته للأحداث، فالطفلة نسمة عماد 6 سنوات بمجرد أن التقينا بها، وسألناها عن مدى معرفتها للانتفاضة ورأيها فيها أخذت تتحدث إلينا كصحفي ماهر يمطر مقابله بوابل من الأسئلة: "لماذا يقتل اليهود المسلمين؟ ومن أين يأتي اليهود بالسلاح؟ ولماذا لا نستطيع نحن أن نحصل على السلاح مثلهم؟ وأين المسلمون؟ يعني أنا بكره سأموت مثل محمد الدرة؟ ولماذا لا تقتل الشرطة اليهود؟ أليس معها سلاح تحمله؟ ولماذا أبو عمار يسلِّم على اليهود الذين يقتلوننا؟
الخليلي: سأشفع لسبعين من أهلي
أما الطفل محمد السوسي 14 عامًا المصاب في ساقه اليسرى برصاص، وما زال يرقد في مستشفى الشفاء فقال: "أتمنى أن أعود إلى المدرسة، فمنذ أسبوعين لم أذهب إلى المدرسة، ذهبت مع أصدقائي؛ لأنتقم من اليهود، ولكنهم أصابوني برصاص في رجلي، والآن أنا لا أستطيع الذهاب إلى المدرسة، فمتى سأعود إلى المدرسة؟ زملائي سيقلقون عليّ الآن.
والطفل محمد الخليلي كانت له إجابة أخرى على ما يشاهده من أحداث ولمعرفته بفضل الشهادة فقال: "أنا سأذهب لأستشهد أكيد، ذهبت إلى ساحة المواجهات، ولكني لم أصب بعد؛ سأذهب غدًا، وأكيد سأستشهد سأشفع لأصحابي كلهم، ولأمي وأبي وأقاربي، ووعدت ابنة خالتي أنها ستكون رقم 70، أليس الشهيد يشفع في سبعين من أهله ؟!
أريج أوسع خيالاً
وربما كانت الطفلة أريج أوسع خيالاً، وهي تحلم بتنفيذ خطتها في الانتقام للطفل محمد الدرة، وتسبق قادة العرب بتحويل الانتفاضة إلى مسلحة فتقول: "بديش أنا أرجم اليهود بحجر عشان أموت؟ لأ.. أريد أن.. ثم سكتت الطفلة برهة، ثم أكملت حديثها، وكأنها قائد يعرض خطته المحكمة، أنا أريد أن.. أعمل حالي يهودية وأذهب عندهم، وأقول لهم: أنا صرت يهودية، وأريد أن أقتل المسلمين مثلكم؛ فآخذ السلاح منهم.. وأقتل كل اليهود.. وأهرب بسرعة.. وأرجع إلى البيت!
الرسم ثأرًا للدُرَّة
ربما أسهل وسيلة ليعبِّر الطفل بها عما بداخله هي أسلوب الرسم، ووفق ما أكده لنا العديد من المدرسين الذين التقينا بهم، حيث غلب رسم العلم الفلسطيني وقبة الصخرة ومشهد مقتل محمد الدرة على رسومات الأطفال؛ حتى بدت مناظر الانتفاضة هي السمة الظاهرة على رسوماتهم، وغلب على جميع لوحاتهم الفنية اللون الأحمر، وخاصة صورة الدم الذي ينزف من الشهيد محمد الدرة، وخلال لعب بعض الأطفال يبدو واضحًا رغبتهم الشديدة في قتل الصهاينة والانتقام لمحمد الدرة.
إيمان: لم أعد أردد أنشودة السلام
بينما قالت الطفلة ايمان الكركي (14 سنة): شاركت في مؤتمر الأطفال في النرويج، رفعت علم فلسطين، وغنيت مع الأطفال للسلام والحب والتعاون، وتحدثنا عن حقوق الأطفال، وأخبرنا المجموعة التي كنا معها عن فلسطين، وكيف يحلم الطفل الفلسطيني في العيش بأمان واستقرار، وتعلمت حقوق الطفل وحقه في الحياة وفي اللعب والرعاية الصحية والحماية، ولكني الآن أعيش في حزن شديد، وأنا أرى حقوق الإنسان تنتهك بشكل صارخ، وأشاهد في كل ليلة كيف يقتل الأطفال، لم أَعُد أحتمل؛ أرسلت لأصدقائي في النرويج أبلغهم بأنني لم أعد "إيمان" التي عرفتموها في مؤتمر الأطفال.
ولكن في ظل استمرار القتل المتعمد للأطفال الفلسطينيين؛ حيث استشهد منهم، وأصيب أكثر من ثلاثة آلاف طفل و 25 منهم فقدوا أعينهم برصاص القناص الإسرائيلي، وإصراره على مواصلة مقاومة الاحتلال وفق جهده
البسيط، هل سيقنع يومًا بجدوى عملية السلام؟!
ومن هنا اتساءل
الى متى
الى متى سيبقى اطفال فلسطين يعيشون فى ظلام وحرمان والام
الروابط المفضلة