:
:
" العالم في عيون أمرأة "
:
" فٌتح الستار"
وظهرت عجوزاً شمطاء كريهة
لم تُفلح مساحيق التجميل التي بالغت في وضعها في أخفاء تلك الأخاديد البشعة
من على وجهها القبيح.
ولم تنجح عدساتها الملونة في التخفيف من نظراتها الحاقدة.
ولم تستطيع ملابسها المبهرجة بالألوان الزاهية ،أن تُضفي على مظهرها المُنفر،
جاذبيةً أو قبولاً.
ولكنها رغم ذلك تسيطر على خشبة المسرح ،منذ فترة ليست بالبسيطة,
ودور البطولة هو دورها المفضل في جميع المسرحيات ،وبلا منازع!!
بل أنها قد نجحت في تسيير فريق العمل جميعهم لمصالحها،
فكل تفاصيل المسرحية الفنية والإدارية، لابد أن تُعرض عليها ،
لتقرر قبولها أو رفضها.
بل أن الممثلين من اختيارها ،حتى أنها أسندت أدواراً مُهمة لمُبتدئين،
فقط لأنهم أثبتوا ولاءهم وحُسن انقيادهم لها.
:
"بدأ المشهد الأول "
وقد بدا باهتاً ومكرراً ، وغير مقنعاً كالعادة,
النص لا يمُت للواقع بصلة،
والحركات متكلفة،
والمشاعر مصطنعة،
مجرد أداءً خاوياً من الإحساس ،لا يلامس القلوب، ولا يحرك المشاعر،
وهكذا أستمر العرض حتى حدث ما لم يكن في الحُسبان!!
فبينما كانت العجوز الشمطاء تؤدي دورها المتكلف في أحد المشاهد،
إذ بأحدهم يصعد إلى خشبة المسرح ،وسط دهشة الجمهور ،وذهول الممثلين،
وأولهم تلك العجوز!!
اعتقدت لوهلة أنه احد مُعجبيها ولم يقاوم الصعود ليراها عن قرب ،
ولكنها فوجئت أنه بدأ يؤدي دوراً ليس ككل الأدوار،
ولم يسبق لها أن وضعته أو خطر ببالها.
ما هــذا ؟!
لقد أدار ظهره لتلك العجوز المتصابية غير مبالياً بها ،
وكأنها قطعة ديكور صدئة،
ثم أخذ يُحادث الجمهور مباشرةً.
كان كل شيء فيه خارجاً عن النص ،
ثقته بنفسه،
أحساسة الصادق،
عزيمته القوية،
وجهه المشرق،
مظهره المُريح،
ابتسامته الهادئة،
كلماته القوية،
تأثيره في القلوب،
كل ذلك كان أقرب للواقع ،وأكثر تعبيراً عنه وعنا.
:
في تلك الأثناء ساد صالة العرض ،حالة من التناقض ،
فمن الجمهور من أخذ يهتف ويُصفق لذلك الشخص تشجيعاً له ،
و قد أنبهر بحديثه ،وبقدرته العجيبة على عرض الحقائق دون تزييف،
ومتمنياً في قرارة نفسه ،أن يستمر في خروجه عن النص!!
:
ومنهم من أخذ يصرُخ : من أين جاء هذا ؟!
وما لذي يقوله ؟!
لقد أفسد علينا مُتعة المتابعة !
ما لهذا جئنا !!
يجب أن يخرج حالاً..!
:
والبعض الآخر بقي يُتابع بصمت وإعجاب،
موقف تلك الممثلة النبيل في تعاملها مع ذلك الشخص الغريب،
بديمقراطية وشفافية،
ولسان حاله يقول : ليتنا نُصبح مثلها..!!
:
والبعض أخذ يتابع المشهد باهتمام بالغ ،محاولاً فهم الموقف ،
ومجتهداً في الوصول لما وراء الكواليس..،
بينما كان البعض الآخر يتناول المشروبات ،
ويتبادل الأحاديث الجانبية مع مرافقيه!!
متجاهلاً ما يحدث أمامه على خشبة المسرح،
وهو نفسه من تعالت ضحكاته مُنذ بداية المسرحية،
رغم خلوها من المشاهد الكوميدية.. !!
:
أما العجوز فلم يُعجبها ما يحصل على مسرحها ،
وما يقوم به ذلك الشخص من دور ،لم تكتبه ولم تُسنده إليه،
فقررت القيام بخطوة جريئة !!
اقتربت منه مُبتسمة بخبث، وهمست له ودون أن يشعر بها أحد :
لا يمكنك أن تصعد إلى هنا دون أذنً مني، فأختر أحد الأمرين:
إما أن تكون فرداً من طاقم المسرحية ،وتؤدي أحد الأدوار المكتوبة،
وإما أن آمرهم ليخرجوك من على المسرح عُنوة.
نظر إليها بُكل شموخ وعزة قائلاً :
لا هذه ولا تلك .. سأستمر لتحقيق ما صعدتُ لأجله ، وافعلي ما شئتي ..
انتفخت أوداج العجوز غضباً حتى برز قُبحها..،
وبدأت ابتسامتها الزائفة تتلاشى ،رغم محاولتها أن تبدو متماسكة.
نظرت للجمهور وكأنها تريد أن تقرأ في ملامحهم، انطباعهم عن موقفها،
وما صدر عن ذلك الشخص.
ثم ألتفتت إلى مسرحها العظيم ،وخاطبت نفسها قائلة :
لابد أن أتمالك أعصابي ،حتى لا يضيع ما بنيته من مجد بحركةً طائشة،
سأتركه يؤدي الدور الذي يريده ،
ولكني من سأُنهي المسرحية بطريقتي الخاصة ،
كما هي عادتي في جميع مسرحياتي ودون أن يشعر أحد،
حتى لاأخسر سمعتي ومكانتي عند جمهوري..،
ثم أعادت النظر إلى الجمهور ،وابتسمت له بثقة مصطنعه،
وكأنها تطمئنه وتطمئن نفسها ،أنها مازالت
محبوبة الجماهير
:
بعدها مباشرة أشارت بإشارة غير ظاهرة
ليُسدل الستار
مُعلناً انتهاء هذا الفصل الساخن من المسرحية
وسط تصفيق الجمهور
:
الممثلة العجوز : هي أمريكا قبحها الله.
وفريق عملها : هم جنودها وأتباعها في العالم .
:
الشخص الخارج عن النص : هو البطل إسماعيل هنية
والمقاومين الأشاوس قي كل مكان .
الجمهور: هو أنا وأنتِ وأنتِ .. فلمن صفقنا تحديداً ؟!
فأن كنتم ممن صفقوا لذلك الشخص الشجاع
فالتصفيق وحده لا يكفي ..،
وأن كنتم ممن صفقوا لتلك الحرباء الماكرة
فكفوا عن التصفيق ..،
قال سبحانه وتعالى :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً
مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)
المائدة 57
الروابط المفضلة