واشنطن: أحمد عبد الهادي
لم يتوقع تاجر قطع غيار السيارات الأمريكي جون هاريس أن يرتطم ذات يوم في مشوار حياته الهادئة, بقضية الشرق الأوسط, فالرجل تجاوز سن الشباب, ثم إنه يقضي أيامه في بقعة خضراء نائية في غرب تكساس مكرساً جهده لعمله ولأسرته.
فضلاً عن أنه لا يعرف أحداً من الشرق الأوسط, سواء عربياً أو إسرائيليا. إلا أن مشاهد التلفزيون التي تنقل ما يحدث في الأراضي الفلسطينية شدت انتباه هاريس, ثم ما لبثت أن نقلته إلى القراءة عن أسباب الأزمة, وحين فهم أخيراً القصة على حقيقتها انتابته هالة غضب عاصف.
ومن سوء طالع تاجر قطع الغيار الكهل أن تلقى رسالة بالفاكس من مواطن إسرائيلي يدعى آفي أوديز يعيش في تل أبيب يطلب شراء محرك لسيارته الأيسوزو. ورد هاريس برسالة لن تلبث أن تلقنه درساً جديداً عن الشرق الأوسط.
فقد كتب هاريس للمشتري الإسرائيلي "إنني لا أبيع محركات سيارات أو أي شيء آخر لإسرائيلي". لا أتعامل مع إسرائيليين. عليكم قبل ذلك أن توقفوا جنودكم عن قهر الشعب الفلسطيني إن بلدك فقدت احترام العالم المتحضر... وأرسل هاريس الرسالة إلى آفي أوديز بالفاكس.
وانقلبت الدنيا ولم تقعد إلا بعد ذلك بأيام فقد أرسل أوديز رسالة هاريس لرابطة مكافحة التشهير, وهي إحدى أكثر المنظمات اليهودية الأمريكية نفوذاً, وإلى صحف يهودية أمريكية.
وفوجئ هاريس بسيل من الاتصالات التلفزيونية... أكبر مكاتب المحاماة في تكساس يستعد لمقاضاته, رابطة مكافحة التشهير تتهمه بمخالفة القوانين الاتحادية الأمريكية وقرارات وزارة التجارة بمنع المقاطعة لأسباب عرقية أو سياسية أو دينية (وكأن واشنطن لا تفرض عقوبات اقتصادية على نصف بلاد العالم!)... مئات الاتصالات وآلاف الرسائل الإلكترونية التي تهدده بالويل والثبور وعظائم الأمور.
أصيب هاريس بحالة من الذهول ربما لم يفق منها حتى الآن. فحين حاولنا الاتصال برقم شركته "تكساس أوتوموتيف إيكسبورت", لم يرد أحد لساعات طويلة وأخيراً ردت آنسة لتقول باختصار إن السيد هاريس غير موجود وإنه مصاب بوعكة صحية... "يا سيدتي إننا صحافة"... إنه يرفض الحديث مع الصحفيين بالذات... وداعاً", وأغلقت الخط.
بعد ذلك أصدر هاريس بناء على نصيحة محامية بياناً قال فيه: "إن تكساس أوتوموتيف إيكسبورت" ليس لديها سياسة بمقاطعة إسرائيل أو مواطنيها, إنني أعتذر عن الرسالة التي كتبتها للسيد آفي أوديز.
كما أنني أحترم حق إسرائيل ومواطنيها في الدفاع عن أنفسهم"... وقالت رابطة مكافحة التشويه بعد ذلك" لقد أبلغناه أن سيلاً من القضايا القانونية سترفع ضده من مواطنين إسرائيليين وأنه خالف القوانين الأمريكية مما يعرضه لإدانة مؤكدة. وقد تبين لنا أنه كان مضللاً, وبعد اعتذاره فإننا نعتبر القضية منتهية.
ومن المحتمل أن هاريس أرسل المحرك إلى أوديز أو أنه أبلغ الرابطة أنه تاب, وأنه تحول إلى مؤيد لأرييل شارون بعد أن تفهم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها... وهو درس يلقنه أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة لمن يتجرأ ويفهم القصة الحقيقية لما يحدث في الشرق الأوسط.
_________________
نقلا من جريدة الوطن

جزاك الله خير .....