في احدى المدن بالمملكة كانت هناك امرأة تسكن مع زوجها و اولادها و بناتها في احدى الاحياء و كان المسجد ملاصق لبيتها تماما الا ان الله ابتلاها بزوج سكير .
لا يمر يوم او يومين الا و يضربها هى و بناتها و اولادها و يخرجهم الى الشارع ، كان اغلب من في الحي يشفقون عليها و على ابنائها و بناتها اذا مروا بها و يدخلون الى المسجد لاداء الصلاة ثم ينصرفون الى بيوتهم و لا يساعدونها بشئ و لو بكلمة عزاء ، و كم كانوا يشاهدون تلك المرأة المسكينة و بناتها و اولادها الصغار بجوار باب بيتها تنتظر زوجها المخمور ان يفتح لها الباب و يدخلها بعد ان طردها هى و اولادها و لكن لا حياة لمن تنادى ، فاذا تأكدت من انه نام جعلت احد ابنائها يقفز الى الداخل و يفتح لها ، و تدخل بيتها و تقفل باب الغرفة على زوجها المخمور الى ان يستيقظ من سكره و تبدأ بالصلاة و البكاء بين يد الله عز وجل تدعو لزوجها بالهداية و المغفرة .
لم يستطع احد من جماعة المسجد بما فيهم امام المسجد و المؤذن أن يتحدث مع هذا الزوج السكير و ينصحه ، و لو من اجل تلك المرأة المعذبة و ابنائها لمعرفتهم انه رجل سكير لا يخاف الله باطش له مشاكل كثيرة مع جيرانه في الحى فض غليظ القلب لا ينكر منكرا و لا يعرف معروف و كما نقول بالعامية ( خريج سجون ) فلا يكاد يخرج من السجن حتى يعود اليه .
الزوجة المسكينة كانت تدعو لزوجها السكير في الثلث الاخير من الليل و تتضرع الى الله باسمائه العلى و بأحب اعمالها لديه ان يهدي قلب زوجها الى الايمان ، و اكثر ايامها كانت تدعو له بينما هى و ابناءها تعاني الامرين فلا احد يرحمها من هذا العناء غير الله فلا اخوة و لا اب و لا ام يعطف عليها الكل قد تخلى عنها و الكل لا يحس بها و بمعاناتها فقد اصبحت منبوذة من الجيران و الاهل بسبب تصرفات زوجها .
في احدى المرات و بينما هى تزور احدى صديقاتها في حى اخر مجاور لهم تكلمت و فتحت صدرها لصديقتها و شرحت لها معاناتها و ما يفعله بها زوجها و ببناتها و ابناءها اذا غاب تحت مفعول المسكر ، تعاطفت معها قلبا و قالبا و قالت لها : اطمئني ، سوف اكلم زوجي لكي يزوره و ينصحه و كان زوجها شاباً صالحا حكيماً و يحب الخير للناس و يحفظ كتاب الله و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر فوافقت بشرط ان لا يقول له بانها هى التى طلبت هذا حتى لا يغضب منها زوجها السكير و يضربها و يطردها من البيت الى الشارع مرة اخرى لو علم بذلك ، فوافقت على ان يكون هذا الامر سر بينهما فقط .
ذهب زوج صديقتها الى زوجها بعد صلاة العشاء مباشرة لزيارة زوج تلك المرأة و طرق الباب عليه فخرج له يترنح من السكر ففتح له الباب فوجده انسان جميل المنظر له لحية سوداء طويلة و وجه يشع من النور و الجمال و لم يبلغ الخامسة و العشرين من عمره و الزوج السكير كان في الاربعين من عمره على وجه علامات الغضب و البعد عن الله عز وجل فنظر اليه و قال له : من انت و ماذا تريد ؟
فقال له : انا فلان بن فلان و احبك في الله و جئتك زائرا و لم يكد يكمل حديثه حتى بصق في وجهه و سبه و شتمه و قال له بلهجة عامية شديدة الوقاحة : لعنة الله عليك يا كلب ، هذا وقت يجىء فيه للناس للزيارة ، انقلع عسى الله لا يحفظك انت و اخوتك اللى تقول عليها .
كانت تفوح من الزوج السكير رائحة الخمرة حتى يخيل له ان الحى كله تفوح منه هذه الرائحة الكريهة ، فمسح ما لصق بوجهه من بصاق و قال له : جزاك الله خيرا قد اكون اخطأت و جئتك في وقت غير مناسب و لكن سوف اعود لزيارتك في وقت اخر ان شاء الله ، فرد عليه الزوج السكير انا لا اريد رؤية وجهك مرة اخرى و ان عدت كسّرت رأسك و اغلق الباب في وجه الشاب الصالح و عاد الى بيته و هو يقول الحمد لله الذى جعلني اجد في سبيل الله و في سبيل ديني هذا البصاق و هذا الشتم و هذه الاهانة ، و كان في داخله اصرار على ان ينقذ هذه المرأة و بناتها من معاناتها احس بأن الدنيا كلها سوف تفتح ابوابها له اذا انقذ تلك الاسرة من الضياع .
فأخذ يدعو الله لهذا السكير في مواطن الاستجابه و يطلب من الله ان يعينه على انقذ تلك الاسرة من معاناتها الى الابد ، كان الحزن يعتصر في قلبه و كان شغله الشاغل ان يرى ذلك السكير من المهتدين .
فحاول زيارته عدة مرات و في اوقات مختلفه فلم يجد الا ما وجد سابقاً حتى انه قرر في احدى المرات ان لا يبرح من امام بيته الا و يتكلم معه فطرق عليه الباب في يوما من الايام فخرج اليه سكران يترنح كعادته و قال له : ألم اطردك من هنا عدة مرات لماذا تصر على الحضور و قد طردتك ؟!!فقال له : هذا صحيح و لكنى احبك في الله و اريد الجلوس معك لبضع دقائق و الله عز وجل يقول على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم : من عاد اخ له في الله ناده مناد من السماء ان طبت و طاب ممشاك و تبؤت من الجنة منزلا .
فخجل السكير من نفسه امام الالحاح هذه الشاب المستمر رغم ما يلاقاه منه و قال له و لكن انا الآن اشرب المسكر و انت يبدو في وجهك الصلاح و التقوى و لا يمكننى ان اسمح لك لكى ترى ما في مجلسى من خمور احتراما لك فقال له : ادخلنى في مكانك الذى تشرب فيه الخمر و دعنا نتحدث و انت و تشرب خمرك فأنا لم اتي اليك لكى امنعك من الشرب بل جئت لزيارتك فقط فقال السكير : اذا كان الامر كذلك فتفضل بالدخول فدخل لاول مرة بيته بعد ان وجد الامرين في عدم استقباله و طرده و ايقن ان الله يريد شئيا بهذا الرجل
الروابط المفضلة