في يومٍ الأربعاء وبعد أن سلّم الإمام من صلاة العشاء اتكئ على الجدار الذي كان بجانبه للحظات وأخذ رأسه يترنّح يمنه ويسره تتغافله سِنَه ثم يفيق وبعد لحظة أخرى تأتيه السِنَه مرةً أخرى فيبدأ في مقاومتها بأن يترنح رأسه ذات اليمين وذات الشمال في منظرٍ طفوليّ بريء, أمّا أباه الذي يجلس بجانبه فلا يستطيع غير الجلوس كبّر شارعاً في أداء ركعتي السُنّه وأخذ يومئ إيماءً بأطراف أصابعه لا تكاد تراه ومازال الطفل يقاوم ويقاوم ثم استسلم لغفلةٍ سريعة من بعد مقاومة لطيفة معها, انتهى أبُ الطفل من صلاة النافله ولأنه لا يستطيع الحراك فهو مقعد على كرسيّه لم يستطيع أن يفعل شيئاً بانتظار ابنه أن يقوم بدفع عربته وأخذه للمنزل حيث كان مجاوراً للمسجد, لكن الطفل مازال مطأطِئ الرأس مُغمَض العينين. لحظات ويصحوا الطفل من غفلته وكأنّ أحداً ركله ليستيقظ ثم قامَ ورفع قدميّ والده من على الأرض ووضعهما على أطراف الكرسيّ المتحرك في مكان مخصص لهما ثم حرّر زرّ تثبيت الكرسي ودفع بالكرسي متجهاً إلى باب المسجد, كل هذه الحركات قام بها في طرفة عين وكأنه يشعُر بشيء من التقصير وتأنيب الضمير بأن تأخر على أداء البرّ لوالده. أخذ يدفع بالكرسيّ تكاد يداه لا تقوى على دفعه يتحامل على نفسه ويدفع في منظرٍ من شاهده يحسبه متعلّق خلف الكرسي لصغر سِنّه وضآلة جسمه, يدفع الكرسي في ثبات رامقاً أباه بعينيه تارة وتارةً أخرى على الطريق وعند وصوله لباب المسجد هممت بمساعدته لكنه وفي لمحة عين شرع في رفع الكرسي من جهة الأمَام بضَغْطِهِ من الخلف حتى ارتفعت مُقدّمة الكرسي فاجتاز عَتبَة السُلّم اليتيمة بثبات, فتعجبت من فعلته رغم صغر سنة وضآلة جسمه كيف استطاع حَمل ثِقل والده من جهةٍ واحدة دون مساعدة! تابعت المنظر وهو يقود كرسيّ والده وعلى وجهه ملامح خفض جناح الذلّ من الرحمة في منظرٍ أراه يتكرّر مع كل صلاة.
ما أوفاك أيها الطفل البارّ, أقرانك يلعبون ويلهون وأنت تفرّغت واعتكفت لبرّ والدك. أقسم بالذي أرسى الجبال وأنشئ السحاب الثقال أنني أنظر إليك بنظرةِ إكبارٍ وإجلال, أين العاقين بآبائهم وأمهاتهم يرون هذا المنظر الذي لا يمكن أن تعبّر عنه الكلمات, أين الغافلين عن أداء أبسط الحقوق لوالديهم يرونك أيها الطفل القدوة, أين من تناديه أمه فيتغافل عن سماعها ويتأفف لها, أين من يأمره أباه بأمرٍ حتى وكأن شياطين الجن اجتمعت فوق رأسه بينما يأمره صديق فيلبي أمره في الحال, أين من تناديها أمها وهي تكلم صديقتها على الهاتف فتتغافلها, أين من يدخل المنزل مارّاً بوالديه كأنهما قطعتا أثاث لا يلتفت عليهما ولا يُقبّل يداهما ورأسهما ولا يسأل عن أحوالهما, أين العاقّين كي يرونك أيها الطفل القدوة, رسمت طريقك بنفسك وعرفت أن الجنة تحت أقدام والديك فلزمتهما, أقرانك يلعبون ويلهون وأنت تسرق اللحظات التي هي من حقك لتغفو لثوانٍ معدودة على جدار المسجد حتى ينتهي والدك من أداء عبادته ثم تقوم بكل أنفه خاضعا طائعا لوالدك المُقعد, ماشاء الله لا قوة إلا بالله حرسك الله, أكاد أجزم أنك سترى برّ أبنائك بإذن الله فأنت أوفيت الدّين الذي عليك رغم صغر سنّك فلن يضيّعك مولاك الذي حباك بفضلٍ منه وأعطاك عقلاً يكبر سنّك, وأرشدك لفعلٍ عجز عنه منهم أكبر منك, فهنيئا لوالديك بك حفظك الله في كل لحظة من لحظات حياتك.
* منقول .
الروابط المفضلة