بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
لعلكم لا زلتم تتذكرون -أو البعض منكم على الأقل- قصة ذلك القريب الذي أُصيب بمُصيبة فقد زوجته في حادث سير بينما كانت ذاهبة كعادتها مع بعض زميلاتٍ لها إلى المدرسة البعيدة عن مساكنهن والتي كن يعملن فيها كمُعلمات ..
ولعلكم لا زلتم تتذكرون أيضاً مدى ما أصاب ذلك الزوج جرَّاء فقده لزوجته وحبيبته وأم ولده الذي ولد ، وولده الذي لم يولد بل مات في بطن أمه حيث ماتت .. فقد كان ذلك الحدث أكبر بكثير من أن يحتمله ذلك الرجل الشاب اليافع الطامح الحالم .. فكان أن أُصيب بإنهيار عصبي استدعى علاجه بالحُقن المُهدئة إلى وقت قريب -إن لم يكن ما زال يتعاطاها- ..
لستم وحدكم من يتذكر ذلك .. ولستم وحدكم من تعاطف مع ذلك الشاب المكلوم بأغلى حبيبة فقيدة في حياته .. فالكثير الكثير ممن يعرفه ويعرف أهله وممن يعرف الزوجة -رحمها الله تعالى- ويعرف أهلها أصابهم ما أصابكم من الحزن والهم والغم والتعاطف إلى أبعد الحدود .. كيف لا ؟! .. والمُصاب جلل .. كيف لا ؟! .. والفقيدة كان لها من الصفات والمناقب والمحامد والأخلاق النبيلة الرفيعة ما يجعلها تأسر من تختلط به من عامة الناس فما بالكم بخاصتهم إليها ؟! .. كيف لا ؟! .. وقصة حياتهما السعيدة الهنيئة التي كان الحب بكل معاينه يُرفرف في كل أرجائها لم تدم سوى ما يُقارب الأربع سنوات .. إنقضت وتلاشت في لمحة بصر وكأنها لم تكن سوى أربع ساعات أو أقل من ذلك !!!
بيد أن أكثر المُتألِّمين لحال ذلك الزوج ولا شك كانت أمَّه .. تلك الأم الرائعة التي قلَّت نظيراتها في هذا الزمان .. الطيبة الحنون المُشفقة المؤثرة على نفسها .. التي لا تُفارق الإبتسامة مُحياها ليل نهار رغم تنكيدات الحياة ومُنغصاتها .. صاحبة العقل الراجح .. والقلب الكبير الواسع .. وصاحبة الرأي السديد والمشورة الموفقة .. صاحبة اللسان العفيف عن التكلم في أعراض الناس وعيوبهم وإن كانت على حق .. تلك الأم التي نجحت -بفضل من الله- كل النجاح في تنشئة أبنائها وبناتها إلى أن تقلدوا مناصب عُليا وأصبحوا يُشار إليهم بالبنان .. وكان جرَّاء كل ذلك التعب والنصب والكد والجهد .. الإصابة بعدة أمراض -هي أمراض هذا العصر- من ارتفاع في ضغط الدم إلى الأصابة بمرض السكري وروماتيزم العظام ... الخ ..
أبناؤها بالتالي حفظوا لها كل تلك التضحيات .. فلا يكاد يجرؤ أحدهم على مجرد محاولة فعل أو قول ما قد يتسبب في غضبها .. ليس خوفاً منها فهي أصلاً ليست مُتسلطة ولا مُتجبرة .. بل لسمو أخلاقها ورفيع مكانتها عندهم .. ولما ربَّتهم عليه من الإحترام والإجلال .. فبات أحدهم لا يهدأ له بال في حال تعكَّر بال تلك المرأة الأم .. ولا ينام أحدهم الليل في حال تعرَّضت لأي طارئ صحي لأي سبب كان .. فجميع طلباتها تُلبى وإن لم تطلب !!! وجميع أمنياتها تُحقق وإن لم تتمن !!! ..
وحيث الأمر كذلك .. ولما عُرف عن تلك المرأة الأم العظيمة من الصفات والمحامد .. ولما رأته تلك المسكينة من حال ابنها المكلوم بفقد زوجته الحبيبة .. فقد سعت جهدها في محاولة إيجاد زوجة جديدة تحل مكان زوجته المتوفاة -رغم معارضته الشديدة لذلك كما وصلني- .. وكل أملها وأمنيتها أن تُخرج ذلك الابن المكلوم مما هو فيه من حال الحزن والكآبة والإنهيار النفسي .. خصوصاً وأنها هي صاحبة الفضل -بعد الله- في اختيار زوجته السابقة رحمها الله ..
وبعد عدة محاولات من الأم .. وكنوع من إرضاء تلك الأم الحبيبة وافق الابن على مضض على ما اقترحته أمه إرضاءً وأكراماً لها وبراً بها .. ومحاولة منه لإدخال السعادة إلى قلبها الذي أصابه ما أصابه جرَّاء ذلك الحدث الجلل .. وإلا .. فهو يرى بأنه لم يعد هناك مكان أبداً للسعادة وقد دُفنت مع من كانت مفتاحاً لتلك السعادة والسرور !! .. ولا طريق البتة إلى الحب وقد كُفِّن في كفن من كانت أسمى معنى من معاني الحب !!
وبالفعل فقد وقع الاختيار على إحدى الفتيات المشهود لها بالصلاح والاستقامة ورجاحة العقل والعلم والحلم والأناة .. وكذا حال أهلها فهم أهل بيت طيبين فيهم كل ما يرجوه الواحد منا من السمعة الحسنة الطيبة .. وقد تم الاتصال بهم .. وتم الرد بالإيجاب .. وحصل الزواج (ملكة) .. وفرح له الكثير من الناس لكونها خطوة أولى نحو خروجه من قوقعة حزنه وكآبته ..
قد يكون الأمر إلى هنا طبعياً ولا غرابة فيه ..
بيد أن الغريب العجيب المُضحك المُبكي في آن .. أن هناك من انقلب على ذلك الشاب المسكين من حال التعاطف والتعاضد معه إلى حال التضاد .. ومن جُمَلِ وعبارات المساندة والشد من أزره إلى التخوين والتكذيب ..
فالبعض -وأكثرهم نساء- رأوا في تصرفه ذلك قمة الخيانة وعدم الوفاء لزوجته الأولى .. وأن حُبَّه لها وولعه بها ما هو إلا مجرد إدعاء كذَّبه مسارعته في الزواج بأخرى ولم يمضِ على وفاة من كان يدَّعي أنها حبَّه الأول والأخير سوى بضعة أشهر !! ولو كان يُحبها حقاً -بزعمهم- وليس ادعاءً لما كان تجرَّأ ولو لمجرد التفكير في الزواج بأخرى على الأقل في هذه الآونة !! وأنها لو كانت هي التي مكانه لم تجرِّأت على فعل ما فعل هو .. ولكن ماذا نقول ؟! إنها عادة الرجال التي لا ينفكون يُمارسونها .. وأصبح ذلك المسكين حديث المجالس كخائن .. بعد أن كان حديث المجالس كمكلوم أُصيب بمُصاب جلل في أغلى حبيب وأعز رفيق .. وأصبحت خيانته تلك التي لا تُغتفر الفاكهة التي تُفتح بها بعض المجالس ..
سؤال يرى البعض _كثيراً كان أم قليلاً- أنه يطرح نفسه :
هل حبه لزوجته الأولى يعني بالضرورة أن يحرم نفسه من الزواج بأخرى تُربي ولده وتقوم على شئونه ومصالحه ومطالبه بقية حياته -خصوصاً وأنه ما زال شاباً- ؟؟!!
وهل زواجه بأخرى يعني بالضرورة أنه لم يكن يُحب زوجته رحمها الله وإنما كان مجرد مُدعٍّ لذلك الحب ؟؟!!
أما أنا فأقول لذلك الشاب المسكين :
أعانك الله أيها المكلوم .. فخطيئتك التي لا تغتفر أنك أحببت زوجتك السابقة رحمها الله .. وكأنك بذلك أخطأت خطأ وأذنبت ذنباً لا بُد أن تتحمله إلى أن تموت .. بيد أنك يجب أن تعي تماماً أن ذلك الحب أيها المسكين لن يُعيد إليك تلك الزوجة الحبيبة إلى قلبك .. ولن يُعيدها إليك الحزن ولا الكآبة ولا الانطوائية .. إني أعلم أيها المسكين علم اليقين أنك ما زلت تُحبها وستبقى تُحبها حتى آخر نبضة ينبضها قلبك المُنهك المتعب مهما حصل .. فلا تبتئس يا أخي بما يقولون وتوكل على الله .. وعش حياتك كما هي ولا تلتفت إلى ما يُقال عنك.. فعندما ماتت زوجتك رحمها
الله تعالى .. لم تذق عيناك طعم النوم لعدة أيام ألماً وحسرة ولوعة لفقدانها .. بينما كان النوم يملأ جفونهم ساعات طوال غارقين في أحلامهم الوردية وتطلعاتهم المستقبلية ..
تحياتي ،،،
الروابط المفضلة