انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
عرض النتائج 1 الى 4 من 4

الموضوع: أم نايف ماتت يا أستاذ!

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الموقع
    .. [ رباه اجعل لي همة تعانق سابع سماء ] ..
    الردود
    4,830
    الجنس
    امرأة
    التدوينات
    3

    أم نايف ماتت يا أستاذ!

    أم نايف ماتت يا أستاذ!
    قرر ابني حازم أن يُبكيني ذات يوم من حيث لا يدري، حين أخذ يحكي لأمه على مسمع مني ما حدث في الحصة الأولى في الصف الخامس الابتدائي. تابع حازم رواية قصة مؤثرة، وتابع القلم كتابة تفاصيلها مسترشدًا بعباراته البسيطة:
    أمي! اليوم المعلم قال لزميلنا نايف: (وشفيك يا نايف من أسبوعين وأنت ملخبط! وين تنظيمك وترتيبك وإجاباتك الزينة)؟
    نظر نايف إلى الأرض ولم يتكلم.
    تابع المعلم: ماذا بك؟ ما هي عادتك!
    وظل نايف ساكتًا.
    كرر المعلم السؤال وهو يعتب على نايف دون أن يدري شيئًا عن الجرح الذي سينكؤه بعد قليل:
    أسبوعان كاملان (محلك سر)! نسيت يا نايف أنك أول الصف في الفصل الدراسي الأول! فيه أحد يساعدك بالبيت؟
    تكلم نايف بصوت خافت متقطع وهو يرفع رأسه ويخفضها مرتين أو ثلاثًا، ولكن ظلت عيناه شبه مغمضتين حين أجاب على أستاذه فقال:
    ـ أمي. ولكنه كمن استدرك فقال بصوت واهن: كانت.. أمي.. تذاكر لي.
    كان المعلم يظن أن أم نايف تعمل معلمة، منذ جاءه نايف العام الماضي بلوحة لأحد أناشيد كتاب القراءة مكتوبًا على خلفية مزخرفة بمجموعات من الحروف الملونة الصغيرة، وقتها عرف المعلم بسهولة أن يد أنثى هي التي أبدعت هذه اللوحة الجميلة، فقد كانت أرضيتها تشبه فستانًا مزركشًا. وفي الحقيقة لم يزد تعليم أم نايف عن الصف الثالث المتوسط، ولكنها كانت تتابع ولدها متابعة يضرب بها المثل بين جاراتها، فهو وحيدها الذي انقطعت لتربيته منذ وفاة أبي نايف في حادث سيارة قبل أكثر من خمسة أعوام! لقد ظلت بغير زواج ـ على غير عادة أمثالها ـ من أجل عيون ابنها الوحيد الذي أصبح كل أملها في هذه الدنيا منذ ألحقته بالمدرسة لأول مرة!
    ظل المعلم يسأل وهو خالي الذهن فراح يقول: لماذا لا تتابع أمك واجباتك طوال أسبوعين يا نايف! ولكن (نايف) لم يحر جوابًا، وبقي حزن نبيل تجمد في عينيه.
    تطوع زميل له فقال باندفاع لم ينتج عنه إلا صوت خافت: (أم نايف ماتت يا استاد).
    وهنا كان لا بد أن يبكي نايف، كان منظره يدعو للرثاء وهو يلقي بنظره إلى الأرض، بعدها جدد له سليمان زميله المشاغب ذكريات موت الأم بلفظ صريح هيج عليه أحزانه.
    وبدأ يذرف قبل أن تتفجر عبراته حتى حجبت الرؤية عن عينيه، ثم علا نشيجه وتشابكت الزفرات بالشهقات.
    ـ أنا آسف يا ولدي سامحني.. اعذرني!
    هكذا أخذ المعلم يترضى (نايف) وهو غارق في المفاجأة. ثم سحبه برفق جهة باب الفصل، وسأله بصوت تحرى فيه الهدوء، ليكون خارج مجال الاستشعار عن بعد لهؤلاء العفاريت الصغار، ولكن ما زالت عين حازم وأذنه تنقلان المشهد المؤثر:
    ـ إي والله وأنا أقول ما هذا من عادة نايف... نايف (رَجَّال) كبير، حريص يقدر المسؤولية!
    وكأن المعلم أصيب بشيء من الذهول والارتباك فراح يكلم نفسه وهو يحاول أن يغير وجهة حديث ذي شجون، فأخذ يخفض صوته تدريجيًا:
    ـ لا تؤاخذني يا نايف، والله ما دريت يا ولدي. ثم أضاف:
    ـ أفطرت؟
    ـ لا.
    ـ لماذا؟
    ـ جدتي مريضة اليوم.
    ـ لا تخرج من البيت من غير إفطار يا نايف.
    ـ إيه. أنا أفطر بالبيت. وإذا ما أفطرت جدي يعطيني.
    ـ ماذا يعطيك؟
    ـ يعطيني (ريال).
    ـ أرني الريال.
    ـ سكت نايف.
    ـ فقال المعلم برفق: أرني ما أعطاك جدك اليوم؟
    على استحياء أخرج الطالب عملة معدنية من فئة نصف ريال نجح في إخفائها عن عيون زملائه، ولكنه فشل أن يحجبها من عيني حازم. همس المعلم في أذنه:
    ـ المقصف يبيع بنصف ريال!
    ـ لا ما يبيع.
    ـ أجل ماذا تصنع بنصف ريال!
    ـ أشتري من البقالة جنب المدرسة.
    ـ ماذا يشتري نصف الريال!
    ـ أشتري (حلا سمسم).
    كانت أذن سليمان الطالب المشاكس ما زالت تسترق السمع، أما لسانه فذو وثبات غير مأمونة فراح يقول:
    ـ (ياكل حلا السمسم يشبع يا استاد)!
    لم يستطع المعلم أن يصمد بدوره أمام هذا الحوار الذي جاء سليمان فأجج أواره للمرة الثانية، انفلتت منه دمعة لم يلمحها أحد إلا وهو يخرج منديلاً.
    بدا التأثر واضحًا على قسمات وجه المعلم وهو يطلب من نايف أن يتفضل بالعودة إلى مقعده، وعندما جاءت الحصة التي تسبق الفسحة أعلن المعلم عن تقديم موعد المسابقة الأسبوعية التي تعود أن يجريها في الحصة الأخيرة يوم الأربعاء. كانت مسابقة ثقافية عامة، تكسبهم خبرة بالعالم من حولهم، فكانوا ربما أجابوا عن أسئلة تفوق مستوى أقرانهم وأعمارهم.
    وجه المعلم أسئلة مختلفة لطلابه نالوا عنها جوائز جملية: آلات حاسبة... كتيبات ذات صور زاهية... لعبًا بلاستيكية رائعة... أقلامًا وساعات. وأخذت الأسئلة تتوالى والإجابات تتتابع، بينما الجوائز المتجمعة على طاولة المعلم تتفرق وتنتقل تدريجيًا إلى طاولات الطلاب. حتى جاء سؤال طرحه المعلم فلم يجد أحدًا يحسن الجواب عنه إلا نايف.
    سأل المعلم: لم يقرأ إنسان القرآن الكريم خارج نطاق الجاذبية الأرضية إلا مرة واحدة. فمن قرأه وكيف؟ وقف نايف بعدما أخفق كل طلاب الفصل الممتازين وقال: قرأ القرآن الكريم خارج نطاق الجاذبية الأرضية الأمير سلطان بن سلمان، وذلك في مكوك الفضاء (ديسكفري). كان لا بد أن تحوز مثل هذه الإجابة تقديرًا وإعجابًا عند كل من استمع إلى نايف، فصاح المعلم في جذل: أحسنت يا بطل أحسن الله إليك. ودوت عاصفة من التصفيق تحيي (نايف).
    قبل أن يناول المعلم (نايف) العلبة المغلفة بأوراق السلوفان الجذابة والمحتوية على الجائزة الكبرى ـ كما يسميها الطلاب ـ أخرج ورقة مالية فئة المئة ريال طارت لها عيون زملائه، فقد كانت جديدة كأنها رقيقة من البلاستيك، لقد أضافها المعلم إلى الجائزة التقليدية وهو ينادي بأعلى صوته: (تستاهل الجائزة يا نايف). لم يكن ثمن الجائزة الأصلية التي تمنح مرة في الأسبوع يزيد على عشرة ريالات فهي تضم قطعتين من الشكولاته وكيسين من شرائح البطاطا وطقم أقلام ذهبيًا، بينما باقي جوائز الطلاب من فئة الريالين المعتادة التي تسد كل يوم بابًا لا يكاد يغلق على مدار العام لمعلمي المرحلة الابتدائية.
    ولم ينس المعلم أن ينبه على نايف ليحافظ على الهدية حتى يدخل على جده وجدته السرور بالتفوق. كانت مساعدة ذكية على شكل هدية. إنها المقدمة الأولى لمتابعة ظروف هذا الطالب النجيب عن كثب، فالمعلم عضو ذو رأي محترم في جمعية البر الإسلامية. لم تكن الجمعية في حاجة إلى باحث اجتماعي لتعرف ظروف نايف الحقيقية. أما واجبات الطالب فقد كان المعلم يتأخر نصف ساعة عن أولاده كل يوم ليشرحها له قبل أن يرجع إلى بيته.
    عاد نايف إلى المنزل... وانكفأ على مذاكرته يكتب التعبير ويحفظ النشيد:
    أحب الناس لي أمي
    ومن بالروح تفديني
    فكم من ليلة قامت
    على مهدي تغطيني
    تخاف عليَّ من برد
    ومن حر فتحميني
    أحب الناس.........
    واغرورقت عيناه وهو يسترجع النشيد... وتقدم الليل... وطرقه النعاس... ويغفو نايف... ترنح الكتاب بين يديه... حتى جاء حلم يداعبه... طيف من الأم قد راح يلثمه... فترتجف من نايف الشفتان... ويكسو الوجه من الطيف ألوان...
    وحين أرادت الأم أن تغادر... تعلقت بوشاحها الأنامل... و... وتدركه رحمة الله فيغرق في النوم.


    مــ ـ ـ نـ ـ ـ قـ ـ ـ ول
    شموع يشعلها الأمل
    وتضئ في درب السماء
    فبـ الضياء " .. نرسم أحرفنا من جديد
    فرحة في ... قنوت على سجادة أمل ..
    الرجاء الرد من الاخوات فقط

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2003
    الموقع
    مــع الله جلاَ في عُلاه
    الردود
    4,755
    الجنس
    أنثى
    ماأقسى الدنيا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2005
    الموقع
    جدة
    الردود
    352
    الجنس
    أنثى
    أختي أقانيم بكيت وأبكيتنا معك
    لا حول ولا قوة إلا بالله
    الله يلطف بعبادة ويحفظ كل أم لأولادها

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الموقع
    .. [ رباه اجعل لي همة تعانق سابع سماء ] ..
    الردود
    4,830
    الجنس
    امرأة
    التدوينات
    3
    جزاكم الله خير ..
    شكرا لمروركم..
    شموع يشعلها الأمل
    وتضئ في درب السماء
    فبـ الضياء " .. نرسم أحرفنا من جديد
    فرحة في ... قنوت على سجادة أمل ..
    الرجاء الرد من الاخوات فقط

مواضيع مشابهه

  1. أستاذ كوندليزارايس يعتنق الإسلام....
    بواسطة داعيه لله في روضة السعداء
    الردود: 4
    اخر موضوع: 10-12-2007, 04:36 AM
  2. أستاذ الفلسفة ,,,,,,,,,,,,,,,,,,
    بواسطة اماني 11 في فيض القلم
    الردود: 8
    اخر موضوع: 22-03-2007, 02:05 AM
  3. الردود: 23
    اخر موضوع: 26-09-2006, 04:48 PM
  4. والله ...إنها ماتت .. ماتت لاحول ولاقوة إلا بالله
    بواسطة أم مرادالتميمي* في الملتقى الحواري
    الردود: 6
    اخر موضوع: 07-12-2003, 05:15 AM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ