الرياض – إبراهيم بادي الحياة - 09/02/06//
«ماما... إنتِ مِتى إيجي»؟ لم يصدر هذا السؤال وبهذه اللكنة من طفلة لا تتجاوز الثالثة، أو لا تُجيد الكلام. هيا تبلغ من العمر ست سنوات، وأمها نفسها لاحظت أنها تتكلم العربية بلهجة خادمتها الأندونيسية نانسي. تجلس نانسي مع الطفلة هيا طوال اليوم، ولا تتركها للحظة، وإن فعلت سيكون نصيبها توبيخ أمُ هيا.
تعمل أم هيا في مصرف في الرياض على فترتين. يبدأ دوامها الثامنة صباحاً. تعود إلى المنزل عند الثانية عشرة ظهراً لتنام فترة الظهيرة. تبدأ الفترة الثانية عند الرابعة وتنتهي بعد السابعة والنصف، «بحسب كم الأوراق والمعاملات الموجودة على المكتب، والتي لم تنجز في وقتها بسبب ازدحام العميلات، ففروع البنك النسائية قليلة مقارنة بعدد الفروع الخاصة بالرجال».
«ماما... إنتِ في روح شغل»؟ عبارات كهذه تُكررها هيا يومياً حين تهم أمها بالخروج، حتى لو كان موعد خروج الأم بعد التاسعة، إلى حفلة أو مناسبة عائلية. أمُ هيا تغضب وتقول لطفلتها بصوت عال بعد ابتسامة صفراء: «لا تتكلمي مثل الشغّالات الأندونيسيات. قولي: ماما إنت رايحة الشغل». تحاول الطفلة إرضاء أمها، تفكر في تكرار العبارة كما نطقتها الأم. تنطق هيا بطريقة ترضي بها والدتها، إذ تكررها مع أمها التي تلفظها بهدوء. وبعد قبلة هي هدية لنطق عبارة باللهجة السعودية، تسأل الطفلة: «ماما... أنا في روح مع إنت».
تقول أمُ هيا: «أعرف أن هيا تأثرت بلهجة الخادمة الأندونيسية. فكرت مراراً أن آخذها إلى الحضانة، لتتعلم هناك نطق السعودية العامية على الأقل. لكنني أتكاسل دائماً وأبرر لنفسي: اقترب عام دخولها المدرسة».
أهل أمُ هيا وأهل أبيها يسكنون في جدة، وأقاربهما يسكنون الرياض. لذا تقضي هَيَا طوال اليوم مع الخادمة وحدها في البيت، وتنام معها في السرير ذاته. حاول ذوو هيا ايجاد حلول أخرى. فاقترح الزوج أن يستقدما خادمة عربية، «لكن استقدام خادمة عربية يكلفنا أكثر بكثير من الأندونيسية التي تحصل على 600 ريال (160 دولاراً) فقط، في الشهر». ويشار الى ان كلفة الخادمات الأندونيسيات والسريلانكيات، تعد الأقل مقارنة بالجنسيات الأخرى.
وفي موازاة ازدياد دخول السعوديات الشابات إلى سوق العمل، تزداد الحاجة إلى خادمة تتكفل بـ «أعباء الأطفال والغسيل والكي والتنظيف، بينما تتمّ الاستعانة بالمطاعم لحل مشكلة الطبخ»، هذا رأي سمر زميلة والدة هيا. وتقول: «أنا من يدفع مرتب الخادمة، فزوجي يرفض دفعه، ويقول إنني المسؤولة عن خروجي وعملي وبالتالي المسؤولة عن توفير البديل في البيت. وهذا الأمر تعيشه كثيرات من زميلاتي المتزوجات، ولا يقتصر علي وزوجي. وفي هذه الحال تكون الخادمة السريلانكية أو الأندونيسية الأنسب من ناحية كلفتها، فأنا أدفع للسائق الذي يقلني، ومرتبي بالكاد يكفي لشراء الملابس»!
كلام سمر عن كلفة الخادمات الإندونيسيات والسريلانكيات في السعودية، «يساعد الخادمات في المبالغة أحياناً بطلباتهن، ورفض مطالب الزوجة والزوج، بحجة أن الأعمال التي يقمن بها كثيرة. بمعنى آخر يضفي الكثير من الشروط لأنهن يعرفن أن كلفتهن أقل من الخادمات الآتيات من بلدان أخرى. تقول سمر: «لا أزعج خادمتي الأندونيسية أبداً، وأدفع لها راتبها مقدّماً، ولا ابخل عليها ببطاقات شحن الخليوي، فمن الصعب أن أبدأ بإجراءات استقدام خادمة أخرى».
وإذا كانت الخادمات الإندونيسيات والسريلانكيات يمثلن الحل الأفضل لكثيرات من ذوي الدخل المحدود، فإنهن أصبحن مهددات من نظيراتهن الفيتناميات اللواتي سيغزين المنازل السعودية قريباً، وذلك بعد توقيع وزارة العمل السعودية مع وزارة العمل الفيتنامية اتفاقاً يسمح باستقدام العمالة الفيتنامية إلى السعودية. ومع أن كلفة الفيتناميات قد تكون أقل من نظيراتهن من البلدان الأخرى، فمشكلة أم هيا التي تعاني منها سيدات سعوديات كثيرات، تتمثّل بتأثر أطفالها باللكنة العربية المكسرة للخادمات، وهذه المشكلة لن تحلّ بدخول الفيتناميات إلى سوق العمل.
الروابط المفضلة