قال الله تــــــبارك وتعالى في محــــكم التنزيل: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرِ لكم..} [الآية] ..

وهذا ما ينطبق كل الانطباق على الحملة البذيئة التي تطاولت بها أوكار مشبوهة في صحافة الغرب على سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم.. فكم هي قاسية على قلب كل مسلم، بل إنها استفزت كثيرا من غير المسلمين الذين يقدرون محمد بن عبدالله على أساس عظمته بالمقاييس الإنسانية المحضة..

لكن هذا الهجوم الهابط مضى في اتجاه مضاد لما أراده المجرمون الذين خططوا له والذين جعلوا من أنفسهم مطية رخيصة له، فقد بث هذا العدوان الصارخ حيوية الإيمان الكامنة في الأمة، فانطلقت تذود عن خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي هداها الله به إلى الحق والصراط المستقيم..

وربما كان أروع ما أسفرت عنه هذه المحنة، ذلك التلاحم الأخاذ بين الحكومات التجار ورجال الأعمال وأصحاب الأقلام وجمهور المسلمين العام..

وبالرغم من الألم العميق، جاءت ردود الفعل العفوية قوية لكنها هادئة وراقية، تجلت في بيان حقيقة المصطفى صلى الله عليه وسلم وحقيقة دعوته النبيلة؛ مثلما عبرت عن نفسها بمقاطعة منتجات الذين ناصروا العدوان المبين، من دون تصرفات غوغائية تؤذي أكثر مما تنفع.

من هنا، يتبين شذوذ التصرفات الانفعالية بإحراق مقرات بعثات دبلوماسية دانمركية في بعض العواصم العربية.. ومن هنا، قد يحق للمراقب الموضوعي أن يسيئ الظن في الذين هاجموا منازل مواطنين وكنائس نصرانية في العاصمة اللبنانية، مستغلين خروج المسلمين الغاضبين في مظاهرة سلمية تحتج على المسلك الدنماركي الصلف. ذلك أن ملايين المسلمين اتفقوا بقلوبهم ومن دون تأثير من أحد، على حصر المشكلة في نطاق مقترفي الجريمة.. ولذلك يبدو توسيع نطاقها حتى على المستوى الأوروبي خطأ شرعيا وسياسيا بليغا، فكيف إذا شمل ذلك إدخال نصارى المنطقة وكأنهم طرف شارك في العدوان الأثيم؟.. بل إن الأشد سوءا أن يقع ذلك التهور المريب في لبنان ذي التركيبة الطائفية الفسيفسائية الحساسة.. ولأن أهل مكة أدرى شعابها، فإن لنا أن نستدل على شكوكنا هذه، بمسارعة القيادات الإسلامية اللبنانية - من سياسية وعلمية - إلى التنديد بما وقع، والإشارة الفورية بأصابع الاتهام إلى المندسين الذين كانوا يريدون افتعال فتنة دامية.

ولسنا نبالغ إذا مضينا أبعد من ذلك، لنؤكد أن هذا الإجرام يهدف إلى خدمة المعتدين على مكانة نبينا الكريم، من خلال التستر وراء المدافعين الشرفاء عن نبي الهدى صلى الله عليه وسلم..

وما دامت السلطات اللبنانية قد أمسكت بعشرات المتهمين، فإن المسلمين كافة يأملون الإسراع في التحقيق مع

هؤلاء وكشف من دفعوهم إلى هذه الممارسة المشبوهة، لكي لا يكونوا عبئا على الموقف الإسلامي الناصع..