بسم الله الرحمن الرحيم
الحمـدلله والصــلاة والســلام على رســول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ومن سلك سبيله واهتـدى بهداه
الســلام عليكم ورحمة الله وبركاته,, وبعـــد
كنت سأجعــل الحلقة الثانية وهي التي أنا بصدد كتابتها الآن عن داء المنكرات ودورنا المغيّب..لكن رأيت أن أجعـل موضوعي في هذه الحلقة عن ( التســوّل والمتســوّلين ).
والحقيقة يا أحبتي انني لا أجــد صعوبة في كما هي عادتي في كتابة المواضــيع ولعلي أعزو السبب إلى أن الأمــر مشاهد ومرئي خاصة في الأيام المباركات من شهر رمضان المبارك.
أنا في الحقيقة لا أدري متى بدأ هذا المـرض يستشـري في النسيج الإجتماعي لبلادنا..لكنني أؤكـد وأجــزم أنه وإلى عهــد قريب..ما إعتــدنا نحـن على رؤية هذه الأفــواج المتتابعة..والحشـود التي تتقاطــر عــلى أبواب المساجـد وعنـد الإشـارات وفي الأســواق بل وفي الأحــياء وعلى عتبات المنازل..!
والمصيبة الكــبرى والبليـة العظــمى..هي ان الموضوع لم يعــد يقتصــر على أهــل البــلد..بل أصــبح الوافــدون - بتأشــيرة العمــرة - هم الســواد الأعـظــم من هؤلاء ( المحتالين ).
رمضــان..شــهر كريم ينتظره الناس..لإغتنام موســمه في الطاعات والقربات..ولكن..عند هؤلاء النصابين ليس إلا موســماً مربحــاً لإغتنام أكــبر كمية من الأمــوال..بالحــرام دون ريب..ودون أيّ رادع.
في أحــد أيام شـهــر رمضــان الماضي ( 1426 هـ )..وقف أحــد هؤلاء المحتالين ليخطب بالمصلين بعــد الصــلاة ودون إذن من الإمام عن ظروفة التي تبكي الصـخــر..ونعـى نفسـه مقدماً إلى الأمــة..مع أنني رأيته يكبرني حجماً ووزناُ ويصغـرني ســناً..والذي لفت نظري أن هؤلاء يتقنون بل ويبدعون في مجال التمثـيـل أيما إبداع..لدرجة ان الرجل الذكـي قد يقع في شـراكهم أكـثر من مرّة..المهـم..وبينما كنت أهــمّ بالخــروج من المســجد ( بعــد صلاة المغــرب ) إذ بي أجــد هذا المحتال عنـد الباب..فأدركتني نفسي اللوّامــة..وشعرت أن هذا الشـخص بكل ما فيه..منكــر..ولا بد من تصحيح وضعـه.
جلسـت معه..وسألته عن سبب قيامه للخطبة بالناس دون إذن..فأخـذ يشـرح لي ظروفه فأيقنت أنه لا جــدوى من النقاش معه في هذا المحــور فأنا لم أسأله عن ظروفه..بل عن شيء آخــر..وحيث أنه لم يستوعب الشيء الآخــر فقد أخفيت إبتسامةً كادت تظهـر على محياي بسبب بيت قد يطابق ما انا فيه وهذا المتسـول والبيت يقول :
أقــول له زيــداً فيســمعها عمــراً ******* ويكتبها ســعــداً وينطـقـها بكــرا
فإنتقلت معـه إلى محـور آخـر..ولا أخفيـكم..أن رائحـة هذا ( النفــر ) منتنة إلى حــدّ لا يطـاق..بسبب أدمانه..كما شممت من رائحـته ورأيت من أسنانه على السـجائـر..والمحـور الذي إنتقلت معه إلـيه..هو سكنه..وأين يعمـل..ظناً مني بأنه ( سعـودي ) بسبب لبسه ولهجته..وفوجئت أنه ( من جنسية أخرى) أتى بتأشيرة عمرة..ويظهــر ان هذا ( الأفـندي ) شــكّ بأمــري وعــلم أني مصـرّ على أن أواصـل معه الحــديث إلى النهاية..وأنني لا ريب قد ( قفشته )..فأخـذ يتوسـل إلي أن أطلقه مقابل أن أقتســم معه المال الذي شـحذه..فكان كمن طلب حتفه بظلفه..وعــرف أنني لسـت للبيع..فأخــذ يستجــدي..من هنا وهناك..حتى كشفته لبعض المصلين ووافقت على إطلاقه مقابل ان يسلمني جوازه..حتى أســجل بياناته..وما كدت أتركـه حتى نفض هذا ( المحتال ) أيدي الناس عنه وفــرّ بجلــده وهو يظن أنه نجــا..وســط ذهــول المصلين..ودعائهـم عليه..فعلمت أنه لا يفـلّ الحــديد إلا الحـديد..وتبعته بسيارتي..وأدركته..وأخـذت منه جـوازه بالقــوة..وسجـلت بياناته..وكـدت أتصــل بالشـرطة..لولا أن أخـذ يتوســل إلي ويسألني بالله..أن أطلقه..وأنه تاب على يدي..وسيتقي الله في المسـتقبل.
المهــم..أخــذنا حصيلة ما جمعــه من مال..بعــد الصلاة ( 65 ريال ) وسجلنا بياناته..وقـمت بتسليم المــال لمؤذن المسجــد المسـن لصرفه لحاجة المســجد.
بعــد هذه القضـية بأســبوعٍ تقريباً فوجـئت بشـاب من نفس الجنسـية أيضـاً..يقف لي على باب المسجـد..ويستجـير بي..أن أساعـده للعـودة إلا بلاده..وأنه عابـر سبيل ضـل طريقه..وإنقطعت به الحبال..!!!
المهـم..حاولت صـرفه بالحـسـنى..لكن دون جـدوى..فقـد إستحلفني بالله..قائلاً إنه يعـذرني إن لم أسـاعده بسبب كثرة المحتالين..والحقيقة أنني لم أكـن أتوقع أن أقـع في شـراك هذا المحتال لخبرتي الكبيرة..لكنني وكما أسـلفت..قلت ما قال عبدالله بن عمـر بن الخطاب رضي الله عنه ( من خـدعنا بالله إنخــدعنا له )..فقد إستحلفته..وحلّــفته..فلم يتورّع هذا الشـخص عن الحلـف بأنه صادق..وأن الله حسيبي عليـه وحسيب كل مسـلم إن كان كاذبا.
فدفعـت له مصاريف رحلته كاملة وأكـثر قليلاً..لكن ما أقــضّ مضجعــي وأرّق عيني..أن هذا المحتــال..ويا لغبائه..أتى بعــد أســبوع لنفس المسجــد الذي أصــلي به..وخطب بالناس خطبة عصمــاء..يشـكو لهم حالـه..والحقيقة أنني إسـتحييت أن أقــوم فأرد عليــه..وما إن وقعـت عين هذا المحتال عــليّ..حتى ( إنكــتم ) وإتجــه إلى الباب وجلس عنده..وعجبت لبلادة هذا المحتال الأحـمـق..فكيف يعــود..وبأي وجــه يقابلني..ويجلس على باب مسجــد أصــلي به..؟
لكل داءٍ دواءٌ يستطــب بــه ******* إلا الحماقــة أعـيـت من يداويهــا
فخــرجت دون ان أحادثه..وطلبت الشـرطة..فأجابني صوت أعــرابيٍ جــلف..فأخــبرته الخــبر..فطـلب مني أن أمسك به ريثما تأتي دوريـّــة شــرطة إلي..المهــم..بقيت مرابطــاً..فلا الدورية أتت..ولا هذا البني آدم خــرج من المسجــد..وبعــد جهــد حضرت الدورية..ودخلت مع العســكري للمسجــد فوجــدنا هذا الشخص وكما يقال ( شــمّــع و هـــرب ) .
وبعــدها بثلاثة أيام..وجــدت آخراً يقف بباب المسجــد..ويظهــر انني أصبحت مشهــوراً لدى معاشــر المتسولين..لا ســيما من أخواننا الوافــدين من تلك البلاد..ولا أدري..ما أصابني حين رأيته..فقد خالجني شعــورُ هو خليــطُ من الغضــب..والزهــج..والغليــان..والغثيان..والحــيرة ..والإكتئاب..والســخرية..والتعـــجب.
فــلا شــك..أن هذا الشــخص..قــد أتى من نفــس الوكــر الذي أتى منه صاحـبه..لا ســيما بعــد أن بصــرت الشـبه الكبير والكبير جــداً بين هذا السـائل..وذلك المشــؤوم الأحـمق..فصرفت هذا السـائل..بكل ما إستطعت إظهاره من لباقــة..وبكل ما أستطعته من ضبط النفـس.
أخــبرني أحــدهم..أن متسولةً..دخـلت بيت عائلته..عبر الباب الرئيسـي..بسبب عــدم إقفالــه..ودلفت إلى الصالة..فلم تجــد أحــداً..ثم صعدت وبكل وقاحــةٍ إلى الدور العلــوي..وبحثت بالشـقق..حتى دخلت إلى شـقة من الشـقق..وفوجئ بها أهــل الدار وفزعــوا..فتوجسوا منها خيفة..وأخــبرتهم في النهاية انها متسولةُ..لا تبتغــي..إلا الصــدقة..فأعطوها شيئاً لدرء خـطـرها..ولا يستبعــد أنها لصّــةُ في ثــوب متســولة..وبعــض الناس من فــرط..سذاجته..يظــن..ان هؤلاء المتسولين..بجموعهم الغفيرة..وحشودهم الهائلة..هم من الأتقياء المساكين الذي لا حــول لهم ولا قــوة..ويتناسى هؤلاء..أنه وإلى كتابة هذه الأســطر..أصـبـحـت عصابات التســوّل..عصابات منظمة..تخضع لقيادات منظمــة..تتاجــر بنشــر المتسولين والمتسولات..كما أن أجهزة الدولة..قامت بالقبض على عناصـر من تلك العصابات..تروج.للخمــور..والدعــارة..والمخدرات..وغ ـيرها..كما نشــرت ذلك جــريدة ( اليــوم ) أكــثر من مــرة..والداهية الدهـياء ما نسمعه ونقرأه من قصص إختطاف للأطفال لينخرطـوا في التدريب تمهيداً لتسخيرهـم كأعضاء في هذه العصابات.
يا ســادة..من المســؤول..؟!
* المســؤول في المقــام الأول هــو ( نحـــن )..وأكررها ألف مرةٍ قبل هذه المرة..نعــم..إنه نحــن..فنحــن من يغــري هــؤلاء..ونحــن من لا نتحـسس مواطن الصدقات..ومواقع الزكاة الصحيحة..ولطالما بـحـت أصوات الأئمــة بالتنبيه..بعــدم صرف الصدقات إلا في مواطنها..لأن هذا من إعانة الظــالم على ظـلمه..وقــد قال صلى الله عليه وســلم ( أنصــر أخاك ظالماً أو مظلومــاً ) وقال في بيانه ( أن تمنعه من الظــلم )..وهل من ظــلم أشــد من ذهــاب الحقوق إلى غير أهــلها..؟!..وهل من ظــلم أشــد من ظلم هؤلاء الشــراذم لأنفسهم وللناس..؟!
* المســؤول في المقام الثاني..هي الجهات الممثلة للسلطة الداخلية للدولة..أعني الشــرطة..وهيئة الأمــر بالمعروف والنهي عن المنكــر..والهيئة المتخصصة في محاربة هذه الظاهرة..أعني ( هيئة مكافـحـة التســوّل ).
فأين هذه الأجـهــزة..؟!..وأين دورها ودورياتها..؟!..وأين تلك الميزانيات الضخمة التي تصرف لهــم ليؤدوا واجـبــهم على كما يرضاه الله..؟!
رواتب..ومخصصات..وسيارات حديثة تصرفها الدولة بكل كــرم..ودون أي إبطاء..وأجهزة حديثة لتسهيل عملهم..وهؤلاء الأفــراد قابعون في مراكــزهم..من بداية الدوام إلى آخــره..ولا أدري أين عين الدولة عن هؤلاء..؟!..بل لا أدري كيف يستحــلّ هؤلاء مرتباتهم وهم لا يؤدون واجــبهم..وما يكاد يسبب لي أزمةً نفسـية..أنهــم يسمون سيارات الشرطـة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهيئة مكافحة التسوّل ( دوريـّـات )..!!!..ولا أدري كيف يصــحّ إشتقاق الإســم من العــدم..؟؟؟!!!
ولو أردت ان أســرد المسؤوليات في هذه الكارثة..لطال بي المقام..لكنها زفــرات من أتـــون الصـــدر نفثتها في كليمــات..فلعل الله يوقــظ بها غافــلاً..ويرفــع بها سافــلاً..ويحــيي بها قــلوباً..ويثبت بها أخــرى.
في خــتام هذا الموضوع..وددت أن أبيّن لكم سادتي وسيداتي..أخــواناً وأخـــوات..أن كثيراً من شراذم المتسولين..ينتمــون في الحقيقة إلى منظمات كما أســلفت..تحتكر كل منظمــة حيـّـاً أو شارعاً أو منطقــة..وهذه المنظمات..أو العصابات المنظمة..سموها ما شئتم..سبق أن غــزت دولاً أخــرى..مثل مصــر..والهــنــد..وغيرها..وهذه المنظمات على علاقةٍ وثيقة..ببعـض أفــراد الشرطـة..ومكافحة التسـوّل..وغيرهم ممن يغضّــون الطرف عنهم في مقابل مادّي معــلوم..وأخشى ما أخشاه أن يكون هذا هنا عندنا كما أخــبرني بهــذا بعــض الأخوان الثقـات..لأن ذلك..معناه..((( ضياع الأمـــانــة ))).
*******
أورده ودوّنــه
أبو عبدالله
الروابط المفضلة