لم تعِ المرأة المسلمة بعد أنها الخاسرة في هـذه الصفقة العصرية المسماة» تعليم البنات« في كثير من البلدان ، وهي خسارة لم تطلها وحـدهــــا بــل انسحبت بآثارها المدمرة على المجتمع بأكمله.. ماذا جنت المرأة عندما دفعوها دفعاً إلى صعود مراقي التعليم العلماني؟! غير أنها جنت على نفسها وعلى من سواها؟ لقد أخرجوا الـمـرأة مـن بـيـت ولـيّـهـا: أباً أو زوجاً، بشتى الحيل وأهونها فكان ذلك بداية المحذورات جميعاً ، وتركت المرأة جهادها الكريم فـي بيتها وانصرفت إلى نضال مدنّس أو على الأقل ثانوي في الخارج ؛ سعياً وراء تحصيل الـعـلـم بزعـمـهـم!! وتحقيق الكيان الاجتماعي!! والوظيفة المرموقة ، وباسم العلم والنور والتقدم!! أخرجوا لنا نماذج نسويّة تمرست وتقلبت في معتركات التعليم ومجالات العمل ومسارح الاختلاط المختلفة ، نماذج (رائدة) خلّفَت وراءها رسالتها وبخاصة هموم البيت ، ومشاكل الزوج والأولاد!! فضلاً عن تخلّـى الرجل عن ولايته وقوامته على المرأة، فلم يعد يأمر في أهل بيته ولا ينهى وانسحبت الـمـرأة من الـبـيـت، وتـفـكـكـت الأســـرة وضاعت المسؤوليات.
لماذا تتعلم المرأة ، وماذا تتعلم؟
تتعلم المرأة لتنير عقلها وقلبها ، وبماذا تنيره يا ترى؟ بالمناهج الدراسية الرجّالية التي لا تنفع المرأة ، ولا تستقيم مع فطرتها ، ولا مع دورها الحقيقي في المجتمع! أم بالمناهج التعليمية إياها في شتى المراحل المملوءة بالأفكار اللادينية بل المناوئة للدين أحياناً.. تلك المناهج التي تكرس الازدواجية في الأذهـان (تعـليم ديني ومدني ، قديم وحـديث) وتعرض المفاهيم الدخيلة وتزكيها وتطمس على المفاهيم الإسلامية وتشوهها (لاسيما مناهج التاريخ والتربية والاجتماع ، وخصوصاً مناهج الدين!!).(1)
وما ضرورة الدراسات العليا للمرأة المسلمة؟ في كثير من الأحيان هل حقاً هو التـحـصـيــل الـعـلمي!! أم صرعة المساواة مع الرجل؟ إذن فما الآثار المترتبة على تخريج تلك الأفواج من حاملي الإجازات (العلمية)؟! أين فاعليتهم الاجتماعية؟ وماذا قدموا للمجتمع؟! ماذا قدمــت تلك الرسائل الجامعية في معظمها غير انتحال أفكار الآخرين واقتباس كلامهم ، وتبني مـنـاهـجـهــم الضالة دون فهم أو تمحيص؟ حتى أصيب كثير من الرجال والنساء بالخلل العقدي!!
فأجيبوني ما ضرورة الدراسات العليا للمرأة؟ لاسيما إذا جرها ذلك إلى التغرّب وحدها؟! فإن سفر المرأة يعني: سـفــراً دون محرم ، وإقامة دون ولي واختلاطاً ومنكرات لا تعد ولا تحصى، خصوصاً في هذا العصر، وعند فتيات اليوم، اللاتي لا يبالين بركوب الصعاب، وخوض غمار التجارب ، برغم قلة الزاد.
وحتى عندما ترافق المرأة زوجها المبتعث إلى الخارج ، يتفتق الذهن التجاري للزوجين في كثير من الأحيان عن فكرة إكـمـال المرأة للدراسة أيضاً ، لا من أجل سـواد عـيون العلم ، ولكن تجميعـاً للمرتبات (مرتب دراسي هـنــا ومرتب وظيفي هناك) أما الأولاد فيحصلون على الحشف وسوء الكيلة ، ففوق التغريب يـلاقـــون الإهمال ، فيرمى بهم إلى جليسات السوء (baby setters) والمدارس الأجنبية ، وإلى خضم الحياة الغربية الموبوءة ذاتها.
ويدّعي الجهلة والمضللون:بأن الاختلاط أقل كلفة من إنشاء كليات للبنين وأخرى للبنات، ولكن ما الداعي أصلاً إلى تـعــلــم المرأة لعلوم الذرة والهـنـدســة والـزراعـــة!! والإعــلام والصحافة!! والآداب والفـنــون!! وغير ذلك؟ هل ليستوي الرجل والمرأة ، في الخضوع للغزو الثقافي وغسيل الأمخاخ والتناقضات العقدية ، ولماذا كل هذا الحرص على إخراج المرأة وإفسادها؟ لماذا تمجّد وتلمّع النماذج الشاذة في المجتمعات الإسلامية من شويعرات ومتأدبات وفنانات ومفكرات ومتحزبات ومستوزرات!! لماذا جعلوا المرأة التقدمية بزعمهم تمشي تحت هالة من الأضواء والتعاطف ، وصوروا المجتمع الشرقي المتخلف كما يحبون أن يطلقوا عليه يكمن مترصداً وراء الجدار على هيئة رجل ملتحٍ بيده خنجر؟! هل الإسلام عدو للمرأة؟! سيقولون لـك: لا، لـكـن الإســـلاميين كذلك! فالإسلام الموجود بين دفتي المصحف ليس خصماً لهم مادام القرآن مهجوراً!!
ولكن أين هي المرأة المسلمة؟! هل هي تلك الخيمة المتحركة كما يدعون!! المرأة الجاهلة المتخلفة! تلك التي أورثتها جدران البيت قصر النظر وبلادة الحس ، وسُقم التفكير!! هل هي تلك التي لا تعرف من الحياة سوى الطبخ والنفخ،»واسكت يا ولد«،وهات أيها الزوج؟! أم أنها تلك المرأة العصرية (الواعية)!! التي تتمتع باسـتـقـلالية اقتصادية وفكرية!! تلك التي تدفع بأبنائها إلى المدارس الخاصة أو المدارس الأجـنـبـيــة!! تلك التي تختار بلداً أجنبياً لتمضية الإجازة الصيفية ، لينعم أطفالها»بكورسات« اللغة الإنجليزية ويمارس أفراد العائلة حرياتهم بعيداً عن أعين الرقباء!! تلك الأم العصرية التي اهتدت(!!) إلى تطبيق التربية الحديثة الفذّة فألبست صغيرتها ذات الاثني عشر ربيعاً (!!)»البنطال« و»التي شيرت« وتركتها تقص شعرها كالصبي ، وتمارس الهوايات الرياضية، وتتلقى دروساً في الموسيقى، ولأنـهـا تتفـوق في الفيزياء والرياضيات الحديثة ، فليس عليها بـعـد ذلك ألا تحسن شأناً نسوياً واحـــداً وألا تـعــــرف من القرآن والدين إلا ما تجتاز به امتحاناً، دون ممارسة أو تطبيق، ولماذا تتحجب هــــذه الفـتـــاة وأمها لا تلتزم كثيراً بالحجاب الشرعي!! ولماذا تتحجب والحجاب مسألة شخصية!! ولماذا تكره على الصلاة؟ وليس لديها وقت لذلك!! فالوقت مزدحم بالدراسة والنادي والأتاري والفيديو والفسح... الخ عندما تبلغ الفتاة سن الرشد فإنها ستختار (أو لن تختار) لنفسها الحجاب والصـلاة وبقية الأمـور المؤجلة!! أما الآن فالأم تسلح ابنتها بأساسيات الحياة وبما ينفعها حقاً في حياتها العملية!!
هذا جانب من التربية الحديثة التي تفتخر بها الأمهات العصريات في المجالس النسوية، ويـفـضـلن الـحـديث فيما أنفقنه على المدارس الخاصة ، ودورات المهارات الالكترونية ، وملابس الصيحـــات الحديثة، والسفريات هنا وهناك فسينفقون أموالهم ثم تكون عليهم حسرة.
إن المرأة المسلمة حـقـــــاً هـي التي بايعت الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم-على السمع والطاعة: فصانت نفـسـهـا ، وحصنت بيتها ، وجعلت همها الأول في حمل الأمانة التي استحفظت عليها: تربية الأجـيـال الـربانـيـة المحمدية ، وعرفت حق المجتمع عليها ، فانطلقت تتفقه في دينها ، وتدعو قريناتها ، وتنصح لأخواتها.
إنها تلك التي طالبت بنصيبها من الهدي الرباني لما غلبها الرجال عليه فاستجيب لها ، لأنها شقيقة الرجل، أي شريكته لا نده، فإن اختلاف الطبائع الجسدية والنفسية ، عند كل من الرجل والمرأة يعني بالضرورة اختلافاً حاسماً في الوظائف والأدوار ، وإلا فإنه من المجافي للمنطق أن يخلق الإنسان ذكراً وأنثى دون أن يترتب على ذلك أمرٌ ما.
ولقد خرجت المرأة المسلمة في خير القرون ، مجاهدة في ظل القرآن لكن ذلك لا يعني أنها هجرت بيتها ، وحملت السيف وجالدت الرجال ، فإن النماذج المعروفة لنا لا تمثل صوراً عامة ، لكنها نـمــاذج معدودة فحسب لنساء مسلمات ، استجبن بشجاعة منقطعة النظير لدوافع إيمانية بحتة ، فقد شهدت نسيبة بنت كعب مع زوجها وابنتها أُحداً ، وشهدت أيضاً الحديبية ويوم حُنين ويــوم اليمامة ، وشهدت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما اليرموك مع زوجها الزبير ، وشـهدت أم سُلَيم حنيناً مع زوجها أبي طلحة ، وابنها أنس بن مالك ، وحمل عبادة بن الصامت زوجه أم حرام معه لما غزا قبرص في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.. ويتجاهل الكـثـيــرون أن هاتيك النسوة المسلمات ، وعلى رأسهن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قد شاركت في الأحداث المهمة في عصرهن،وخُضنَ المعارك، ومع ذلك كله فلم تكن إحداهن تكلم الرجال إلا من راء حجاب.
إذا كان الرجل نصف المجتمع فإن المـرأة هي نصـفه وحاضنة نصـفه الآخـر فهذا الرجل نفسه قد تعرض لتربية المرأة أماً وتأثيراتها أختاً وابنةً وزوجاً ، وإذا كان في وسع الرجل أن يتنصل قليلاً أو كثيراً من مهامه داخل بيته ، فإن المرأة لا يسعهامن ذلك أقله ، فهي المربية المدبرة المسؤولة ، شاءت أم أبت ، فإذا صلحت صلح الأمر كله وإن غاب الرجل وإذا فسدت لم يُجْدِ مع ذلك دواء.
إن صلاح الرجل والمرأة ، مرتبط أساســاً بعودة المجتمع إلى نظام الإسلام ، إنه في بلوغنا القيم الإيمانية التي تجعلنا نحـيـــا في سبـيـل الله حياة ربانية كاملة ، في أقوالنا وأفعالنا ومشاعرنا وأذواقنا ، وخلجات صدورنا وآفاق تصوراتنا ، وغايات آمالنا ، إنطلاقاً من غاية التربية الإسلامية ومناهجها المبنية على تكويـن الـفــرد الصالح في نفسه المصلح لما اسّتُرّعي عليه.. وقد اسّتُرّعيت المرأة على البيت المسلم الذي يمثل بحق نواة مصغرة للمجتمع كله ، بل الحياة بأسرها.
الهوامش
(1) انظر د. يوسف القرضاوي الحل الإسلامي فريضة وضرورة ط 3 -1397 هـ مكتبة وهبة القاهرة ص 44-45.