بسم الله الرحمن الرحيم
الحــمدلله والصلاة والسـلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ومن سلك سبيله واهتدى بهـداه
الســلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعــــد,,
إننا نحــمد الله عز وجل..أن مــدّ في أعمارنا لنرى هذه الصحــوة الإسـلامية المباركة..وهذه النهضة..والعودة إلى الله عز وجل..وإلى دينه القويم..بعــدما عايشنا أياماً وأزماناً كانت الإستقامة فيها منقصة..والتقوى تخــلّف..والزهــد مهــزلة.
ولكن..رأيت كما رأى غــيري..أن كثيراً ممن يعــدّون من جمــهور الصــحوة وممن ظاهــرهم الصلاح والإستقامة..يفتقرون للإستقامة بمعناها الحقيقي والإلتزام بمعناه الجـوهري.
قال رسول الله صلى الله عليه وســلم ( لا تحــقرنّ من المعــروف شيئا..ولو أن تلقــى أخـــاك بوجه طـــلق )
كــثيرٌ ممـن رأيتهم قد أرســلوا اللحــى وقصّــروا الثياب..لا يتحــلّون بالصفات الأساسية التي هي في الواقع أهــمّ وأجــدى..لست أقلل من أهمــية اللحية أو أتغافل عن حــرمة إسبال الثياب لكنني أتكلم عن أخــلاق وآداب ينبغي على المسلم عموماً والملتزم خصوصاً أن يقدمها كصورة حــيّة تعكس مبادئه وقيمه وأخلاقه .
أحــبتي..بعــض الأخوان يظن أن الإلتزام هو مجــرد لحيةٍ وثوب قصــير وإنتهت القضية..ويهمــل ما سواهما..فتجــده مكفهــرّ الوجــه..مقطب الجبين..لا يبتسم..لا يتبسط في الحــديث..لا يحــبب الناس في شخصه وفي منهجــه .
ذهبت مــرّة إلى وزارة الأوقــاف وما زلت أقرئ الســلام يمنةً ويســرةً ولا يــرد عليّ إلا عمــال النظافة..لا تضحكوا..فوالله الذي لا إله إلا هــو لقد رأيت معظم الذين أســلّم عليهم لا يــردّون الســلام وكأن الذي يقرؤهم الســلام ليس مسلماً..!
ولم ألبث أن إلتقيت شخصاً أعرفه..في الوزارة..فما وجــدت في سحنته لمحةً من إبتسامةٍ أو حــتى شيئاً من الرضا بمقابلتي..جامــد الملامــح..ظاهــر العــبوس..مع أنني سمعت أنــه ممن عاشــر العلماء فترةً غير أني أشــك في إستفادته منهم أدباً كما إستفاد علمــاً. كانت كلماته مقتضبة..وعباراته حــادّة..ونبرة صــوته صارمــة..وأســلوب بعــيدٍ كلّ البعــد عن سماحة النفس ورحابة الصــدر والتي من المفترض أن يتحــلى بها ويأمر غيره بها كونها من الأمــر بالمعــروف..أليس كــذلك..؟
وذهبت مــرةً في ســفر قصــير إلى إحــدى المجالس..وكنت أؤمــل النفس..بوجود بعض الأخوان ممن أحسبهم من الصالحين..وإعتباري ضيفاً..أن أجــد الترحــاب والإستقبال..والتودد..والإبتسامة..غــير..أنني وجــدت أنني اجلس بين قــومٍ لا يضعون لهذا الأمــر إعتباراً ولا يلقون إليه بالاً..فصرت أنا من أتودد إليهم بفتح الحــديث..والبدء بالكلام مع أن المفترض هو العــكس..كوني الضيف..فما زلت أحــيي مجلساً ميتاً فما قمت حتى مللت المجــلس ومن كان فيه..وحمــدت الله أن هــداني..قبل أن أرى هؤلاء الثــّــلة..وإلا لكان النفــور منهــم والإبتعــاد عنهم..وكــره منهجــهم..هو ردّ الفعــل الطبيعي بالنسبة لي حينها.
حادثةٌ أخــرى أتذكرها..حين كنت سائراً بسيارتي..وكان الطريق واسعاً..يتسع لسيارتين..غير أن أحــدهم..وقف بأحــدى المسارات فضيق الطريق حتى كانت كثير من السيارات العريضة لا تستطيع العــبور مع أنه يوجــد مواقف على جانبي الطريق فوقفت بجانبه ونظرت إليه فإذا هــو ملتحي..فسررت بذلك..لأن إحتمال قبوله للنصيحة والذكرى مؤكــد كما ظننت..كون ظاهره الإلتزام..فقلت له ( الســلام عليكم..أخي الكريم..حبــّــذا لو وسعت الطريق كما هــو واسع أصــلاً..للناس..والمواقف موجودة ) فنظــر إلي شــزراً بعد أن ردّ الســلام ببرود..وأجاب ببرود مماثل محتجاً ان هناك مجال..فقلت له..( يا أخــي..وإن كان هناك مجال..فهل من عادة المسلم أن يضيق على الناس ولا يعطي الطريق حقّــه..بدلاً من أن يوسع عليهم..فضــلاً عن أنها مخالفة للأنظمة والقوانين وأنت بذلك تضع الحجّـة للآخرين أن يحذوا حــذوك..كونك تعتبر قــدوة ومثالاً )..فصــرف عني وجهه..وتولّى بكــبره..فما وددت والله أن أفعــل ما قالت العــرب..( أعــط أخاك تمــراً..فإن أبى فجــمراً )..فمضيت آســفاً..كاســفاً على وجــود أمثاله بين ظهراني شباب الصحوة ورجال الدعوة وأهــل البرّ والصــلاح والإصــلاح.
ومــررت مــرّةً بجــامع الشــيخ العلامة..( محمــد الصالح المنجــد ) بعــد صــلاة المغــرب..ظنّــاً مني أن هناك درســاً..فلم أجــد الدرس..ووجدتني ألتقي ببعض الشبان الملتحين..فسلمت عليهم..فما وجــدت منهم أحــداً يــردّ الســـلام..!..ففيم العــلم إذاً يا أخــوان..؟!..وفــيم إرتيادكم للدروس إذا كانت أبســط الجزئيات لا تطبقونها..؟..لكــن..نعــوذ بالله من عــلم لا ينفع.
كثيراً ما يأتي بعــض الملتزمين ( ظاهرياً ) إليّ في موقع عمــلي يطلبون..وتخيلوا ماذا يطلبون..أن أشهــد لهم زوراً..فلا زلت أرمقهم..مدهوشاً..مشدوهاً..بما أســمع وأرى..تناقض ما بعــده تناقض..ثم ألا يستحــي أن يطلب منّــي أنا ذلك..؟!..أولا يرى اللحية..وظاهر الإلتزام..؟..أم أن شهادة الزور أضحت حلالاً لا منكــراً يستحــي فاعلها أن يطلع عليه الناس..كما هو شأن المنكــر دائماً..؟
لذلك..دائماً ما يسترعــي إنتباهي حــديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال ( إذا أتاكــم من ترضون ( دينه ) و ( خلقــه ) فزوجوه..الحــديث ). فلــم يجعــل الرسول عليه الصلاة والســلام الدين بمعزل عن الأخلاق..بل كلاهما صنوان..فقــد يكون الدين موجــوداً..ولكن لا أخــلاق..وقد يكون العكس..وهذا تنبيه لأولياء أمــور النساء..بعــدم تزويج بناتهم..إلا بمن حاز كلا الشرطين.
كان يحضــر حلقــة إمام الصابرين..وناصــر الملّة والدين ( أحمــد بن حنبــل ) رحمه الله أكثر من مئة ألف حاضر..خمسئة يدونون الحــديث والعــلم..والبقيــة..يرقــبون أحمــد..وســمت أحــمد..ودلّ أحـــمد..ونهــج أحـــمد..وأخـــلاق أحـــمد..فكانوا يتعلمون الأدب قبل العلم..فكانوا وصــرنا .
دخــلت مــرةً مجمع الدوائر الشرعية ( المحاكم )..فسألت عن القاضي..فأخبرني السكرتير..أنه لم يحضر بعــد..ولا يداوم إلاّ الساعة ( 11:00 ضحــى )..فلمّــا حــضر ( طــويل العمــر )..إستأذنت..فسلمت عليهم..ووالله إنه لم يــردّ الســلام..ولم يلن الجانب ولم ينظر إليّ أصــلاً..فكررت الســلام..ونظر إلي ببرود متناهي..وردّ بصوت خافت..هو أقرب للنفس منه إلى الكلام..فقدمت إليه أوراقي..وردّها إلي بعــد أن إطّلع عليها..طالباً مني الذهاب إلى مكتب آخر..وتاركاً في نفسي إنطباعاً سيئاً عنه وعن أمثاله.
* أولاً :
من أذن لك يا حضــرة القاضي المحترم بالتأخــر عن دوام أنت فيه مسؤول امام الله عزّ وجــل..ومؤتمن عليه من ولاة الأمــر..وموكّــل فيه بقضاء حوائج الناس التي تندرج تحت مسؤوليتك..وكيف تستحــل راتباً يصرف لك بإعتبارك تداوم كامل ساعات الدوام بينما لا تداوم إلا ثلثها تقريبا..ناهيك عن وقت الصــلاة والتي قد تستغرق معك أكثر مما تستغرق مع غيرك..؟!
* ثانياً :
أمن أساسيات عملك عــدم الردّ على الســلام..؟!..أو هل من أساسيات عملك أن تتعالى على الناس وتنظر إليهم بفوقية..وكأنهم قد قصــدوك لذاتك..لا لحوائجهم التي لا تنتهي عندك وعنــد أمثالك من المسؤولين..؟!
* ثالثاً :
ألست ممن سمــع قول رسول الله صلى الله عليه وســلم ( اللهم من ولــي من أمــر أمتي شيئاً فرفق بهــم فأرفق به ومن شــقّ عليهــم فاشقق عليه )..وما يضيرك لو أنجــزت ما يمكن إنجازه..أم إنك ممن حازوا علماً لا ينفع..؟!
* رابعــاً :
قــد لا أجادلك أنا في مكتبك..وقــد أنصرف..كغيري..لكن تذكّر حديث الجنازتين التي ذكر الناس في أولاهما فأثنوا على صاحبها وذكروه بخير..فوجبت له الجنـّـة..وذكر الناس أخراهما بســوء فوجبت له النار..بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم..لأن الناس شهــداء الله في الأرض.
وقد كنت في مصــر..رأيتهم في الشوارع قد إرتدواالثياب والقصيرة وأرسلوا اللحــى فسررت..وإبتهجت..غير أنني لم أجــد من هؤلاء النفــر من يقرؤني الســلام..ربما لأنني إرتديت بدلة..؟!..ربمــا..!
ثم ندعــو الناس إلى الدين والصــلاح..عجبي..!..إن النفس البشرية تتقبل ممن تحب أي شيء وإن كان الأذى..وتنفر ممن تكره..ولو أسقاها الشهــد..الرســول صلى الله عليه وســلم لم يبعثه الله إلا بعــد أربعين..حين تمكنت محبته في القلوب والأفــئدة..وعلت مكانته بين الناس بأخلاقه ونبله..وقد قال عنه الله تعالى وتقــدّس ( وإنك لعــلى خلقٍ عظــيم )..وقال تبارك وتعالى ( ولو كنت فظّــاً غليــظ القلب لأنفضــوا من حــولك ) . فهــل يفقه دعاتنا..وعلماؤنا..وطلبة العلم..لدينا ذلك..؟
سادتي..متى يعــلم..أولئك الذين نظــن بهم الخــير..أن الدين ليس لحية معفاة وثوباً مقصّــر..فمع أنني لا أشكك بوجوبهما الوجوب القطعي..وأنني ممن أعفى اللحية وقصّــر الثوب..إلا أنني أزعــم..أن الدين والإستقامة والإلتزام..لا تتمثل ولا تتجســد في هذه الأمــور فقط..بل إن هــذه الأمــور..إنما تصدر تلقائياً بعــد أن يستحوذ الدين وتستحوذ الإستقامة على لبّ الشخص وتأخذ بمجامع قلبه..ولست أدّعــي ان على الملتزم أن يكون كامــلاً..فكلٌّ منّا له عيوبه ومثالبه التي لا تعــدّ ولا تحــصى..لكنني أتكلم عن مكارم الأخــلاق..وحســن المعاملة..فمتى يفقه أولئك أن الدين المعاملة..؟!..ومتى يفقه أولئك..أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليتمم مكارم الأخــلاق..؟!..ومتى يعلم أولئك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( ألا أنبئكم بأهل الجنــة..؟) قال الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ( بلى يا رسول الله ) قال ( أحاسنكم أخلاقاً الموطؤون أكنافاً , الذين يألفون ويؤلفون , ألا أنبئكم بأهــل النــار..؟ ) قالوا ( بلى يا رسول الله ) قال صلى الله عليه وسلم ( كلّ عُـتــلٍّ جــوّاظٌ جعــظري مستكــبر )..أو كما ورد.
أيها الشاب الملتزم..أيتها الفتاة الملتزمة..يا أهــل الإستقامة..تذكــروا أن الإســلام إنتشــر بأخلاقه..وعــدله..وإحسانه..أكثر من إنتشاره في الفتوحات..وإسألوا ماليزيا..وأندونيسيا..وزنجبار..إسألوا..الأمم التي ما وصلتها الفتوح الإسلامية..وتجــد غالب شعوبها قد دانت بالإســلام لأن هناك من مثّــل الإسلام نصّاً وروحــاً..فكانوا قادة بلا جيــوش..وسادةً بلا فيالق..بل..ملكوا قلوب الناس بصــدقهم..وأمانتهم..وعدلهم..وبشاشتهم..وكسروا الحاجز النفسي بينهم وبين الناس..بتوددهم..وإحسانهم..وشجاعتهم وإعتزازهم بدينهم.
يا شباب الصحــوة..أيها العلماء والخطباء والأئمة والوعاظ..كونوا دعاةً لا أدعيــاء..توددوا إلى الناس..أحسنوا إليهم..هــشّــوا وبشّــوا وأروا الناس منكم ما يكسـر وحشتهم..لا تعاملوا الناس بأخلاقهم..وعاملوهم بأخلاقكم..فقد ســبّ رجــل إمام أهــل العــراق..وأمــين علم الحــديث بها الإمام العلم المفــرد ( وكــيع ) فقال له بعضهم ( لِمَ لا تــردُّ عليــه..؟)..فأجابهم بلغة الفقيه..وأدب المؤدب قائلاً ( ففيم تعلمنا العلم إذاً..؟! )..فكونوا أيها الجــيل الطيّب كسلفكم..تفلحوا كما أفلحوا..وتذكــروا أنكم تحملون ميراث محمــدٍ صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله عز وجل على بصيرة..فاجعلوه قــدوة..واتخذوه أســوة..فما كان إلا هاشّــاً باشّــاً رقيقاً رفيقاً تأخــذه الجارية من يده في السوق فيمضي معها حتى يقضي حاجتها..ويسلّم على الصبيان ويلعب معهم في المدينة ويداعبهم..كان إذا همـس أحــدهم في أذنه لا يرفع أذنه عنه حتى يتنهي الهامس..وكان إذا خاطبه أحــدٌ أقبل عليه بوجهه ولم يصرفه عنه..وكان إذا إستقبل الضيف أو الزائــر أكرمه حتى يظنّ الزائــر له من الحظوة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس لســواه..وماذا يضيره صلى الله عليه وسلم..؟ بل ماذا خســر..؟..وهــو الذي عاش فقيراً على الكفاف..؟..لم تكن لديه جبال الذهب وأنهار الفضة..ولو شاء فعــل..كيف لا وقد عرضها الله عليه صراحاً بواحاً..فكان في الدنيا غريباً أو عابر سبيل..وسأل الله تعالى أن يجوع يوماً فيصبر ويشبع يوماً فيشكـر..ولن تطيقوا مثلما أطاق هو ولا من دونه..ولكن..ســددوا وقاربوا وإجتهدوا..فما كان إبن آدم إلا خطّــاء..وكلٌ منّــأ ذو خطأ..بل أخطاء..وموبقات..ولكن..يسترنا الله.
اللهم عــلّمنا ما ينفعنا وإنفعنا بما علمتنا وتب علينا..وتجاوز عنّا..كتبت ما كتبت فإن كان صواباً فمن الله..وإن كان خطئاً فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بــراء .
وجـــزاكم الله خـــيرا
والســلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخـــوكم
الروابط المفضلة