من الحياة

مرض زوج الابنة، فذهب والدها إليها ليؤنسها ويُخّفف عنها ما تشعر به من قلق بسبب مرض الزوج وإرهاق الزوجة بين المستشفى والبيت. جلس الأب على الأريكة، وذهبت الابنة لتعد طعام الغداء، لكنها حين عادت وجدت أباها قد نام، حاولت إيقاظه، لكنه كان قد فارق الحياة، في لحظة رحل السليم، وامتد عمر المريض، سبحان الله!.

ولما كان الأب يريد أن (يؤنس) ابنته من وحدتها في غياب زوجها المريض، لكنه حين مات هل نتوقع أن تبقى معه الابنة ولو ليلة واحدة، (لتؤنسه) بعد أن ترك الحياة، أو قد تركته الحياة بإذن خالق الحياة؟ الميت لا يؤنســه إلا عمله والأحياء يخافون منه ويهربون ولو كان أغلى الأحباء، تحدّث عن هذه الحقيقة المؤلمة الدكتور الشيخ سعيد بن مسفر، موضحًا أهمية العمل الصالح للإنسان، فهو يرافقه ويؤنسه حين يهرب منه أقرب الناس إليه مهما كان حزنهم لفراقه.. إن المتأمل في الحياة لابد أن ينظر لوجهها الآخر، فكم من محب للحياة (انتحر) لأن الحياة صدمته، أي أنه من شدة ولعه بالحياة لم يتحمل أن يخسر فيها حبيبًا أومنصبًا أو جاهاً أو صحة.. بينما من يرى الوجه الآخر للحياة يتعلم أن يصبر على همومها وعلى خسائرها التي تصيب الناس كلهم، فالناس إن وجدوا (المال) لم يضمنوا أن يعيشوا ليتمتعوا به. وإن عاشوا لم يضمنوا أن يعيشوا أصحاء، وإن عاشوا أصحاء لم يضمنوا أن يخسروا هذا المال أو يفقدوا أحباء لديهم، وإذا سلمنا جميعًا أنه لا شيء مضمون في هذه الدنيا، وهي عبارة وردت في مقال للدكتور فتحي مرعي، ذات يوم، فماذا يفعل المرء الباحث عن السعادة في هذه الدار؟. إنه مهما فعل فسوف يجد أن السعادة مؤقتة، وهذه إحدى سمات الدنيا، إذن أين الســــعادة الدائمـة؟، أين يعيــش المرء مع من يحبهم ويحبونه.. يفهمهم ويفهمونه.. لايموت ولا يموتون.. لايمرض ولايمرضون.. لا يفترق عنهم.. لا يصيبه همٌ ولا نصب.. لا يسمع كلمة مؤذية (لايخاف) على نفسه أو على أبنائه أوأهله من مخاطر الطريق ومن زوال الصحة، لايخاف الفقر والمعاناة بكل صورها أين يجد المرء هذا الحال بحيث لاينتهي الحلم الجميل الذي يعيشه واقعًا؟. لا يمكن مطلقاً أن يخلد الإنسان في هذا الواقع الجميل اللهم إلا في الجنة، أما على الأرض فخذ عندك: مسكين ابن آدم محدود الأجل، ممدود الأمل، تؤذيه البقة وتقتله الشرقة، هكذا يوضح هذه الحقيقة الأستاذ عمرو خالد، وعلى قوة الإنسان وجبروته فإن البعوض يمكن أن تقتله لابنفســــها ولكن -بإذن ربها-، والهم يغتال أمنه ويسلبه راحته حتى يشكو الأرق ولو كان ثريًا يعيش في قصر مشيد، والموت يطلبه ولو كان في بروج مشيدة، فأين يهرب إذن؟.

في الواقع الذي نراه ونشعره بضعفنا في تلك الحياة، فإننا جميعًا نجد أن لا ملجأ من الله إلا إليه ولهذا فحين هرب ابن نوح إلى الجبل ليعتصم به، هلك وغرق. من يعتصم بغير الله في كل العصور يلقى المصير نفسه. وقد لا يغرق في بحر وماء ولكن يغرق في غفلة عن حقائق الحياة فيضيع، أو يغرق في ضلال ولا يعود منه، أو تنتهي حياته دون معرفة الحكمة منها.. نسأل الله السلامة


مقال للدكتورة نادية عوض