بسم الله الرحمن الرحيم
تلقيت يوم السبت الماضي (قبل أمس) مكالمة على هاتفي الجوال .. كانت عبارة عن مجرد رنة واحدة ثم أُقفل الخط .. وأول ما تبادر إلى ذهني أنها مُكالمة من أحد الأصدقاء البُخلاء .. غير أن ذلك تبدد عندما وجدت أن المكالمة كانت دولية ..
في الحقيقة أني ترددت في بداية الأمر في الإتصال بذلك الرقم .. غير أن فضولي دفعني بشدة إلى معرفة من وما يكمن وراءه .. وبالفعل .. قمت بالإتصال بذلك الرقم .. وبعد محاولات عديدة نظراً لإنشغال الخط حصل الإتصال به .. وكان هذا الحوار بيني وبين الطرف الآخر ..
أنا : السلام عليكم ..
الطرف الآخر وبلكنة عربية مضطربة : وعليكم السلام ..
أنا : نعم .. لقد تلقيت منكم مُكالمة على هاتفي هذا .. أي خدمة ؟! ..
هو : آه .. نعم .. ألف مبروك .. لقد فزت معنا بجائزة قدرها خمسة ملايين ريال !!! ..
أنا : ومن أنتم ؟!! ..
هو : معك شركة نوكيا من دولة البحرين !!! ..
(جاء في بالي مباشرة .. كيف تقوى شركة مثل نوكيا على تحمُّل جائزة بالملايين من الريالات .. ولا تقوى على تحمُّل قيمة إتصال بهاتفي الجوال لتُخبرني بالأمر ؟!!! ) ..
هنا .. أحسست وبقوة أن هناك عملية نصب تُحاك خيوطها في هذه الأثناء .. وأني قد أصبحت طرفاً في تلك العملية .. وإن لم أتصرف بحنكة فقد أكون ضحية من ضحايا النصب الكثيرون الذين نقرأ عنهم في الصحف .. ومما قوّى ذلك الإحساس لديَّ .. كثرة ما قرأت عن مثل عمليات النصب هذه والأساليت المستخدمة فيها ..
قلت له في محاولة لجسِّ مدى صدقيته ورمي الكرة في ملعبه : ولكني لا أستخدم هاتفاً من نوع نوكيا .. بل إن "جوالي" هو من نوع أريكسون .. فكيف تُقدم شركة كبيرة مثل شركة نوكيا مبلغاً طائلاً بالملايين لشخص لا يستخدم جوالاً يحمل اسمها ؟! .. (والواقع أني أستخدم جوالاً من نوع نوكيا .. غير أن ذلك كان لمجرد إربكاه وإمتحانه) ..
عندها تلعثم واضطرب و"تلخبطت" أوراقه وأُسقط في يده .. وقال : عموماً يُمكنك الإتصال على هذا الرقم (00) صفر صفر .. ثم سكت ..
طالبته بأن يُكمل سرد الرقم حتى أدونه عندي .. إلا أنه بادرني بطلب الإتصال بالرقم من جوالي مباشرة دون أن أدوَّنه .. عندها .. تأكدت أن المسألة ليست إلا مجرد نصب ..
طالبته بإسمه .. واسم مدير الشركة والرقم الذي يُمكن أن أتصل به عليه .. بل وطالبته أن يذكر لي إسمي طالما أني فزت بهذا المبلغ الضخم .. فليس من المعقول أيضاً أن يكون الفائز بهكذا مبلغ مجهولاً وغير معلوم الهوية .. لحظتها .. لم يجد بُدَّاً من إغلاق الخط وإنهاء المُكالمة ..
بعد ذلك .. وكإجراء إحترازي .. قُمت بالإتصال بالجهات المُختصة .. وأخطرتهم بما حصل بيني وبين ذلك الشخص .. وطلبت أن يقوموا بحظر ذلك الرقم حتى لا يقع بعض السذج ضحايا لمثل أولئك النصابين .. فأخبروني أن الإتصال كان آتياً من "تركيا" ..
وأن السرَّ يكمن في "الصفرين" المطلوب ضغطهما من الهاتف الجوال .. فبمجرد الضغط على الصفر مرتين متتاليتين يسيطر أولئك النصابون على شريحة المتصل .. وبالتالي يقومون بإستنزافها من خلال الإتصالات الدولية المُكلفة وباهظة الثمن حتى تتراكم على صاحب الشريحة أموال طائلة جرَّاء مُكالمات لم يقم بها .. والمؤسف في الأمر أنه لا يُمكن حظر تلك الأرقام الدولية . مما يسهِّل لهم مواصلة النصب والإحتيال على عدد غير يسير من المواطنين .
وفي ليلة البارحة .. حضرت إحدى المناسبات .. وسردَّت ما حصل لي من محاولة نصب .. فتفاجأت أن من بين الحضور من قد وقع ضحية لأولئك النصابين بالفعل .. حيث أخبرني أحدهم .. أنهم أخبروه أنه فاز بمبلغ (95.000) خمسة وتسعون ألف دولار !!! .. وكل ما عليه فعله هو ضغط رقم صفر مرتين ومن ثم الإنتظار لفترة قد تصل إلى نصف ساعة حتى يتم إكمال إجراءات فوزه بذلك المبلغ !!! .. وفي هذه الفترة قاموا بالإتصال ومن خلال الشريحة بدول أوروبية ومن ثم حُسبت المكالمات على شريحة هذا المتصل المسكين .. غير أنه ومن حسن حظه أنه كان قد جعل لتكلفة مكالماته حداً إئتمانياً أعلى ثلاثمئة ريال .. مما جعل الأمر أهون بكثير مما لو كان الحد الإئتماني مفتوحاً .. لكانت الطامة أكبر !!! ..
ثم تفاجأت أُخرى .. بقصص النصب والإحتيال تنهال واحدة تلو الأُخرى يرويها أصحابها .. فمن شخص فاز بجائزة نقدية ضخمة وكل المطلوب منه أن يوافيهم برقم حسابه فقط حتى يتم إيداع المبلغ فيه .. ويُفاجأ بعد أن قام بإعطائهم الرقم بأن كل ما كان في رصيده قد تم سحبه .. وبعد مراجعته للبنك .. أخبروه أنه قد تم سحب رصيده من تركيا .. كيف ؟!! .. لا يعلم .. غير أن الذي يعلمه وآكد منه أنه وقع ضحية نصب وإحتيال .. كان العامل الأول فيها هو السذاجة وحب المال .. إلى آخر .. يحكي قصة تلك الفتاة صاحبة الصوت العذب والنبرة الخليجية .. التي إدَّعت أنها تتصل من فندق شهير في دولة خليجية .. وأنه مدعو إلى إقامة مجانية فيه لمدة أسبوع شاملة كل الخدمات !!! .. وكل ما هو مطلوب منه رقم بطاقته الإئتمانية كي يتم تدوينها لديهم في حال قرر قبول دعوتهم تلك !!! .. إلى آخر .. وآخر .. وآخر .. كلهم كانوا ضحايا لعمليات نصب وإحتيال تعددت أساليبها وتنوعت أدوات الإغراء فيها .. بيد أن العامل الأساس والمشترك فيها كلها هو السذاجة وحب المال .. خصوصاً إذا أتى على طبق من ذهب دون عناء أو شقاء ..
والحق يُقال .. أنه لو لم يجد أولئك النصابين لدى بعض الناس لدينا قابلية للإنخداع وسذاجةً إلى حد "الخبال" .. يُقابله حب المال وشهوته .. لما وقع هذا العدد غير اليسير من الضحايا .. ولكنهم وجدوا أرضاً خصبة للأسف الشديد لممارسة مثل تلك العمليات .. فجنى النصابون نتاج ذكائهم في الشر .. وجنى المنصوب عليهم نتاج سذاجتهم وحبهم للمال .. والغريب العجيب المُضحك المُبكي في الأمر .. أن من كان يُفترض به أن يكون هو الفائز أصبح بقدرة قادر هو الخاسر الأول والأوحد وبلا منافس .. وعش رجباً ترى عجباً ..
تحياتي ،،،
الروابط المفضلة