الـمُبعـدون...
للهِ تعالى في خلقه شؤون ؛ يرحم ، ويغفر ، ويعتق من النار ، ويجود ، وُيكرم ، ويُبعد أقواما ً ؛ وهو الحكيم العليم ...
لا ُيبعدهم إلى مرج من مروج لبنان الجميل ، ولا إلى جبل من جبال الألب الأوربية ، ولا إلى سهل من سهول الحجاز المزهرة ... ليس هذا ولا ذاك .
بل إبعاد رباني ، يقره الرب الـُمتعال ، وينقله روح القدس جبريل ، وُيأمن عليه أشرف خلق الله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم .
كلُ ذلك بسبب تفريط في حقوق ، وكسل عن فرصة ، وإهمال لواجب ...
فتلك الزغاريد التي خرجت من جموع النساء فرحاً بمقدمك ، يراد لها منك إكراماً لمن كان سبباً فيها لك ، رغم معاناتهم معك ، وسهرهم وتعبهم ، وتحمل الآلام لتعيش بأمل كبير .. تلك لحظات ميلادك الجنيني من أبوين يحبان لك الحياة الطيبة ، ويحرصان على أن يعمقا فيك فطرة الله التي فطرك عليها ، بلا تبديل لخلق الله .
وتلك المحطة الإيمانية الربانية التي تُهدى إليك كل عام ، لتتزود وترتقي وتصعد وتسمو ، ولتجدد فطرة الله فيك ، وتشحذها كل عام مرة ، وتنال بها عتق رقبتك من النار ، و ُتمحى بها عنك الذنوب ، لتعود تلك الزغاريد إلى قلبك ، و ُتشرق فيه بسمات الإيمان ، وُتزهر فيه زهرات المحبة لله والشوق إلى عبير الجنة ونعيمها .
مَن ساقك إلى ذلك ، مَن أرشدك ، مَن هداك بهديه ؛ غير الحبيب محمد ، عليه الصلاة والسلام ، فيسحق منك ـ في حده الأدنى ـ إلى ترديد الصلاة والسلام عليه كلما ُذكر اسمه على مسامعك ، وليكون منك ـ في حده الأعلى ـ حباً وشوقاً ورغبة في اللقاء ، ولتكون كثرة الصلاة والسلام عليه نورا لك ؛ فهو النور الذي يشرق في سماء نفسك ، وفي أفق عقلك وفكرك... يبدد ُظلمات المعاصي .. ويطرد عنك آثارها .. وبقدر كثرة صلاتك على الحبيب المصطفى بقدر ما تحوز من الخير والنور ... وليكون فمك وهو يصلي ويسلم عليه كزغرودة تريد أن ُتعلم بها الدنيا بأسرها بخبر من تحب .
وإلا كنت من الـُمبعدين ؛ لأنك فرطت في حق والديك أو أحدهما ، ولم تنشط في موسم الخير شهر رمضان ، وكنت أبخل الباخلين مع من وهبك معاني روحك ، عليه الصلاة والسلام .
قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أتاني جبريل : فقال يا محمد ، من أدرك أحد والديه فمات فدخل النار فأبعده الله ، قل آمين : فلت آمين ، قال : يا محمد من أدرك رمضان فمات ولم يغفر له فأدخل النار فأبعده الله ، قل آمين : فقلت آمين ، قال : ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فأدخل النار فأبعده الله ، قل : آمين فقلت آمين ) ( * )
لا تكسل أيها المؤمن ... واستدرك على نفسك ... فما هي إلا أيام وتمضي ... شد مئزرك وشمر عن ساعد الجد فهي أيام فقط ... لترتقي وتصعد ... فنفسك خلقت في السماء فلا تتثاقل إلى الأرض ... وأقبل على والدين ـ أو أحدهما ـ ونل منهما الرضى لتسعد وتفوز ، فإن لم يكونا معك فهي أبواب السماء تقرعها بدعائك ...
أخلق بذي الصبر أن يحضى بحاجته
===============ومُدمن القرع للأبواب أن يلج
وأجعل للصلاة على حبيبك محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ نصيبا وافياً ليكون شفيعك ومستقبلك على الحوض ، والمنافح عنك في كُرب الآخرة ...
وإلا تفعل ...
يقول لك الرسول صلى الله عليه وسلم : ( رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ) ( ** )
أي : لصق أنفه بالتراب كناية عن حصول الذل ...
هيا أيها المؤمنون والمؤمنات ... فما هي إلا سويعات ...
هذه روحي حامت وَلَهَاً
========= وتسامتْ فوقَ أجواءِ الأثيرِ
وأشرأبتْ والجوى يحفزُها
========= في التماس الأملَ الرّحبِ الأثيرِ
تبتَغي من ليلة القدر سَناً
========= ليتها تنعمُ منها بعبير
فإن حامت أرواحكم فلا تنسوا ...
أمير المعالي *
_______________________________________________
( * ) رواه الطبراني وابن ماجه وصححه الألباني في صحيح الجامع .
( ** ) رواية أخرى في نفس المرجع السابق .
الروابط المفضلة