عجباً..كيف يمكن للألم أن يغتال لحظات الأمل؟
كيف يمكن للموت أن يأن أزيزه على مشارف النجاح؟؟
كيف يمكن للنهاية أن تنهي البداية؟؟
قبل أسابيع..بل قبل أيام قلائل..كنا نبذل كل أوقاتنا من أجل النجاح
مذاكرة..سهر..جداول..امتحانات ونتائج..
الكل يبذل كل ما يمكن أن يُبذل من أجل التخرج..
كنا نقول..هي مسألة شهور..بل أيام ونحصل على وثيقة التخرج..
تعاهدنا على حفلة تلم الصديقات بعد انتهاء الامتحانات
تواعدنا أن نعوض ما فات
صبيحة يوم الأحد,,اجتمعنا..قررنا أن نفرح
وتعاهدنا أن نستمر..
لم يكن المرض واضحاً عليها إلى ذلك الحد
لكنه كان لعيناً خبيثاً ينشر سماً في أرجاء جسدها الغض
بين ليلة وضحاها..
فجأة وبلا مقدمات..
من قاعة المحاضرات..إلى العناية المركزة ..لإنقاذ حياة فتاة!
لم تكن تعلم (أحلام) أن الأيام لن تمهلها أكثر..فهناك ما هو أهم !!
بين ليلة وضحاها..ضجت الجوالات برسائل مؤلمة..
علت الرنات بأخبار مفجعة..
(( أحلام في الرياض..في العناية المركزة..غيبوبة تامة..
تنفس صناعي..تحاصرها الأسلاك وتكمم فمها المعدات!!))
الشلة..الصديقات..وأخوات الطفولة..
البيت..الأهل..والإجازة القادمة!
الكلية..أحلام الدراسة..وثيقة التخرج المنتظرة..
لا لرد لهذه الأفكار إلا زفرات حائرة انتشرت بين الأجهزة والكمامات
على سرير المستشفى..لا لرد لهذه الذكريات إلا قطرات حارة انسابت على الوجه
هي كل ما يمكن أن تفعله (أحلام) الآن!!
أحلام.. صديقاتك يتصلون ألف مره في اليوم..يسلمون عليك كثيييير
أحلام.. الدكتور يقول فيه أمل..فيه أمل..والكل ينتظرك بأمل
الدموع وقتها..هي أغلى ما تملك..لأنها هي ما تبقى لها..هي كل ما تملك!!
أنفاسها..تسربت منها..فأي مصنع يمكن أن يهبها ذرة أكسجين؟؟
حركاتها..خانتها..أي استنساخ على وجه الأرض يمكن أن يهديها حركة يدين أو رجلين أو تمتمة شفتين؟؟
الدم ملوث..والكليتان في كل لحظة يزال منها التلوث..
الرئة لا تستجيب إلا لأزيز الآلات ..والقلب ..لا نبضات..لا دقات..بقايا ذبذبات
العيون غارت أو أوشكت أن تغور ..الجسم غض يضج بالشباب قد أوشك على الذبول
تقارير مبهمة..وأسرة أحلام تدفع الغالي و الثمين..
إلى أين؟؟ إلى الرياض؟؟ سننقلها لا مشكلة..
إلى القاهرة؟؟ إلى أمريكا؟؟ سنحجز لها طائرة خاصة وننقلها ..لا تكلفة
في أرقى مستشفى...ومع أشهر طبيب..وبذهب الدنيا ولؤلؤها..سنشتري لها قطرات دم طاهرة!!
وعلى السرير تنام أحلام ..لا رد ولا انفعال..فقط دموع صامتة
الكل هنا ينتظر..اتصالات..رسائل..الصديقات القديمات قبل الجديدات ينتظرن الفرج
تعثرت الخطوات..ضاعت التخطيطات..
نحتاج لدعوات..دعوااااات
الأهل..المعارف..هناك من سافر لحاقا بأحلام..وهناك من ينتظر عودة أحلام
انقضى يوم واخر..مر أسبوع وتلاه أسبوع..
والحالة كما يقول الأطباء: غير مستقرة
تأجلت اختباراتها..رُفعت أعذارها لرئاسة القسم..
فقط أيام..وتتخرج..أيام وتنتهي الدراسة..
هل كانت تعلم؟؟ هل كانت تتخيل؟؟
السنة الأخيرة بعد 16 سنة دراسة!!
اختبارات لآخر مرة..ومذاكرة لآخر مرة..
كلها أيام..أيام..تلو أيام..وتتخرج أحلام..
كلها أيام وتنجح أحلام..تتخرج من أصعب الأقسام
كلها أيام..وتتحقق الأحلام..وتتخرج أحلام..
الأستاذة : أحلام!!
في إحدى ساحات الكلية..وعلى أحد الجدران..تعلقت ورقة صغيرة
كُتب عليها: نرجو من الطالبة : أحلام بنت..... من قسم.....مراجعة شؤون الطالبات فوراً
لأن الأعذار التي قدمت للجنة الامتحانات لم تُقبل..نرجو موافاتنا سريعا لإكمال وثيقة التخرج!!
على مضض نختزل الدموع..وبزفرات نحملق في الأماكن
قبل أيام قليلة..هنا كنا نذاكر..
قبل ساعات معدودة..هنا كنا نرسم الأمل للمستقبل
لم تقبل الأعذار..يارب تقبل ذنوب العباد
انتهى وقت الاختبار..يارب يسر الحساب..يمن الكتاب!!
متأخر جداً هذا الإعلان..
متناقض حد البكاء
اليوم لا ينفع الإعلان..
ماتت أحلام!!
وجوه البنات شاحبة كشحوب أسرة المرضى التى نامت عليها أحلام
والدموع حااارة كحرارة التراب الذي ضم أحلام ولم يجف بعد
بقي شهر فقط على التخرج..
آه يا أحلام..
شهر واحد فقط...وكنا (سوف) نتخرج!!
يا اللــــه..كيف طال بنا الأجل؟؟
كيف غرنا طول الأمل؟؟
شاركتنا سنوات الدراسة..مقاعد الفصول..وأرصفة الكلية
كانت تستعد للنجاح..للتخرج..
ولم نكن نتخيل أن شيئاً كهذا سيحصل!!
مزقت ورقة الإعلان قطعة قطعة..
اليوم انتهى كل شي..انقضى كل شيء
لا حاجة لأعذار تُرفع
لا داعي لإعادة الامتحانات وتحضير أسئلة
اليوم تحت القبر..أحلام تتلقى أسئلة من نوع آخر
وامتحان من أسئلة أصعب
نثرت بقايا ( الإعلان) على الأرصفة ..أحلام ماتت البارحة
تمام الساعة الثالثة قبيل الفجر
وبالأمس فقط حصلت على وثيقة تخرج أخرى..
سموها إن شئتم ..وثيقة تخرج من الحياة!!
احتضنت الذكرى وأرقت للعين عنانها
من يدري عن الغد..
هل سأتسلم وثيقة تخرج؟؟
أم هناك تخرج من نوع آخر ينتظر؟؟
[RAM]http://www.anashed.net/audio/ya_rajay_3/farshy_attorab.ram[/RAM]
الروابط المفضلة