كانت تجلس في مقعدها الوثير في الدرجة الاولى في الطائرة حين تناهى الى سمعها دعاء السفر فاخذت تصغي .. كان الدعاء بصوت المضيف يطرق سمعها بقوة .. كانت كانها تسمعه لاول مرة .. رغم سفرها المتكرر في كل اجازة .. لكنه هذه المرة كان يبدو مختلفا .. واخذت تردد بخشوع لعل الله يحفظهم .. فمازال في قلبها صورة ابنة خالتها التي قضت نحبها في حادثة طائرة البحرين .. التي هوت الى عرض البحر بركابها .. كانت تحدث نفسها قائلة : بانه لا يحفظ الا الله وتردد مع المضيف " انا نسالك في سفرنا هذا البر والتقوى .. ومن العمل ماترضى " عندما وصلت الى هذا المقطع توقفت في جزع قائلة : البر والتقوى !! ومن العمل ماترضى ؟؟!! انني مسافرة في هذه الاجازة الى الخارج مع زوجي لقضاء العطلة والاستجمام .. وكل مااخذته من لباس .. وماانويه من عمل .. ليس من البر في شيء .. ولايتصل بالتقوى لا من قريب ولامن بعيد .. فملابسي كلها سافرة عارية .
و .. مرت هذه الافكار بسرعة البرق ثم توقفت حين سمعت المضيف وهو يدعو بخشوع : " اللهم انا نعوذ بك من وعثاء السفر .. وكآبة المنظر وسوء المنقلب .. " فرددت معه بقلب واجف شارد .. وهي تتمثل ابنة خالتها التي كانت في ريعان شبابها .. كانت عائدة من الخارج بعد ان عبت من الشهوات والملذات عبا .. ثــم مــاذا .. ثم اذا هي بين يدي ربها في اسوء حال ..
هكــذا حدثت نفسها .. ثم تساءلت في مرارة كيف اخـالفه وادعـوه ؟! كيف اعصيـه وارجـوه ؟! .. كيــف أرجـو ان يتقبــل دعائــي وانـا لا أعيــر كلمــات كتابــه التفاتــا ولا شرعــه اهتمـامــا ؟؟!!
الهي .. مااشد حلمك علينا .. ومااشد غفلتنا عنك .. الهي .. غرني سترك المرخى علي .. فسولت لي نفسي وغلبت علي شقوتي ..
الهــي .. ان لم تدركني بتوبة نصوح فانا من الهالكين .. الهــي .. انا امتك التي كلما طال عمرها زادت ذنوبها .. انا التي كلما هممت بترك خطيئة عرضت لي اخرى .. واحزنـاه خطايا لم تغفر ... وانا في طلب اخرى ...
الهــي .. عصيتك بقولي .. وخالفتك بفعلي .. فمن من عذابك يستنقذني .. وبحبل من اعتصم وقد قطعت حبلك عني .. ويلـــي .. كلما طال عمري كثرت معاصي .. فمتى اتوب ؟! .. ثم اجهشت ببكاء عنيف .. التفت زوجها على اثره وهو يصيح ماذا حدث ؟ ماذا حدث ؟!...
فاجابت والدموع تسيل من عينيها مدرارا : حدث شيء عظيم لقد انتبهت الى الهاوية التي كنا نسير بقدمينا اليها .. اشهدك اني منذ الساعة تائبة الى الله تعالى .. واعاهدك الا يراني على معصية بعد اليوم أبدا .. قالت هذا ثم مدت يدها الى حقيبتها فاخرجت منها شالا كانت قد اعدته لاتقاء البرد عند الهبوط فاختمرت به وغطت بطرفه وجهها منتقبة لاتقاء جهنم ثم .. التفتت الى زوجها وهي تهتف بقلب باك .. انظر ياعبد الله : لقد مشيت معك في الطريق الى الهاوية طويلا لم اسالك يوما لا كيف ... ولا لماذا ... اما منذ اليوم فساكون على هذا النحو .. فانك لن ترد مرزبة منكر ونكير عني في القبر .. ولن تتطوع لدخول النار بدلا عني .. واما انت فــ ـ ـ ـ لم يدعها تكمل بل اردف وهو يكاد يبكي لفرط التأثروالندم وانا اشهدك اني تائب الى الله تعالى .. اعاهدك يارب الا تراني بعد اليوم على معصية ابدا .. ولم تكن رحلتهما قد انتهت بعد ... لكن رحلة الهداية كانت قد بدأت ...
نقل عن مجلة الشقائق بقلم الاخت الفاضلة / اسماء بنت عبدالرحمن الباني
بارك الله فيها وجعل ماكتبته في ميزان حسناتها
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الروابط المفضلة