بسم الله الرحمن الرحيم
لحظات صافية
الكثير منا يحتاج إلى لحظات يخلو بها مع نفسه وأن هذه اللحظات ضرورية
لإعادة الجسم والفكر للانطلاق والإبداع وقلما نجد أحداً يبدع وهو يشعر بالضغوط
تحيط به فإذا جلس للحظات
يتأمل فيها خلق الله عز وجل تصفو نفسه وتتألق إلى ما وراء الأفق
وأن كل متأمل لكتاب الله عز وجل يجد أنه سبحانه يدعو إلى التأمل في مخلوقاته
وأن هذا يؤدي إلى صفاء الفكر وجلاء النفس من المتاعب وتجديد للحياة فتبتكر وتبدع وتنطلق
ويكون الاختراع والإنجاز
( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآياتٍ لقومٍ يعقلون )
ابتدعت بعض الشركات العالمية نظاما للأجازات خاص لبعض الخبراء والأخصائيين
وكبار القادة العاملين الذين أنهكتهم دوامة العمل اليومي للخلوة من اجل التفكير في الجديد دائما ولكن بعيدا عن جو العمل الروتيني اليومي وذلك في سياحة فكرية خالية من المشاكل الوقتية
التي تعترض أي موظف في أي موقع في العمل.
لذا تتكفل هذه الشركات بإعطاء الموظف المعني كل مستلزمات هذه الإجازة الفكرية والتي بعد انتهائها يضيف هذا الخبير إلى رصيد تلك الشركات مزيدا من الدولارات التي تعد بالملايين
وقال أحد السلف الصالح
ما طالت فكرة امرئ قط إلا فهم ولا فهم إلا علم ولا علم إلا عمل
ويقول آخر لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوه
والتأمل والتفكر والتدبر في خلق الله عز وجل من صفات المؤمنين أصحاب العقول السليمة
والتفكر في خلق الله يزيد الإيمان في القلب ويجعل الإنسان أكثر خشية وتعظيماً لله عز وجل ويزداد قربه قال تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء )
وعن محمد البرمكي ذكر مسألة لجلسائه فقال ما معنى
قول الحكيم أول الفكرة آخر العمل وأول العمل آخر الفكرة فسألوه التفسير
فقال مثل هذا كمثل رجل قال إني صانع كناً " بيتا " فوقعت فكرته على السقف ثم انحدر فعلم أن السقف لا يكون إلا على حائط وأن الحائط لا يكون إلا على أساس وأن الأساس لا يقوم إلا على أصل ثم ابتدأ العمل بالأصل ثم بالأساس ثم بالحائط ثم بالسقف فكان ابتدأ تفكيره آخر عمله وآخر عمله بدء فكرته فأية منفعة في هذه المسألة ؟
ومن هنا نعلم أن الإنسان إذا أراد بدء موضوع ما سيبدأ بفكرة
وقد تأتي في أي وقت وأي مكان وقد تأتي الفكرة من وسط الزحام
ولكن نقصد التفكر في الأمر كيف بدأ وإلى ماذا سينتهي
وجميعنا يعلم أن كل شيء إلى زوال فالتفكر في هذا الأمر يجعلنا نعمل على خوف
لأن وراءنا يوم طويل يحاسب المرء عن أعماله وأقواله وحركاته وسكناته
فلحظات الصفاء والتأمل تجعل المرء يقف وقفات مع نفسه وبالذات عندما يفكر في عمل
ما هل هو من أجل الدنيا محضاً خاصاً فيكون خالياً من الصدق ومملوء بالغش
والحلف الكاذب فهذا عمله مردود ولن يقبل وإن ربح الملايين فتجارته كاسدة خاسرة ومن كان همه الآخرة ومرضاة الله يبدأ عمله بالصدق والإخلاص وحتى إن لم يحقق ربحاً سريعاً فسوف يوفقه الله عز وجل ويختبره ليرى صدقه وقوة توكله وثقته بمولاه فيزداد إيماناً خاصة إذا جلس مع القرآن
جلسات تدبرية يتلوه ويتعلم منه فيشعر أنه أكثر الناس ربحاً وانشراحاً ومالاً وهذه حقيقة
ومن هنا ندعو الجميع
لوقفات مع النفس نتأمل فيها وفي بديع صنع المولى عز وجل فقلب يضخ الدم في الأعضاء وهو الملك على سائر الجسد فإذا صلح وصلاحه لا يكون إلا بصدق توكله على الله سبحانه وتعالى
يصلح سائر العمل وتسلم الحواس من الخوض في الزلل فيصبح من جلسات بسيطة في خلوة قصيرة إنساناً عظيماً ومرموقاً وذو مركز بين الناس وجميعنا قرأ في السيرة
وكيف بدأ المصطفى صلى الله عليه وسلم حياته وأنه كان يخلو في غار حراء
يتأمل ويتدبر في مخلوقات الله سبحانه حتى نزل عليه الوحي بالرسالة العظيمة
وكان خير وأفضل ولد آدم
والمسألة بسيطة لحظات وقت السحر في الثلث الأخير يستيقظ المسلم
ويتلو أواخر آل عمران ويتدبر في خلق الرحمن ويدعو ويصلي نصف ساعة ليس
أكثر سيكون إنساناً قوياً نشيطاً متفائلاً متألقاً لا يحزن على ما فاته من أمور الدنيا
ويسعى ليثبت للعالم كله أن القوة في التمسك بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام
وسيبدع وينجز ويبلغ الآفاق بفكره الصافي وهدفه النبيل
وميض
لنمد أيدينا ولنرتقي نحو القمة نحو السعادة والجنة
بلحظات نخلو بها مع خالقنا جل في علاه
__________________
.
منقول
الروابط المفضلة