إنذار مبكر قبل فوات الأوان

أصابع الاتهام تتوجه للسياحة الجنسية في آسيا





بقلم :حسن السرات



ما وقع في جنوب شرق آسيا من زلزال رهيب ذهب ضحيته أكثر من 150000 شخص، منهم غربيون كثيرون، ليس بعيدا عنا، ونحن معنيون به لعدة اعتبارات. وفضلا عن الاعتبار الديني الذي يجعل المسلم مطالبا بالاعتبار من كل حدث صغير وكبير، فكيف بحدث ضخم جدا مثل هذا الزلزال المدمر، فضلا عن هذا الاعتبار، فإننا في كل بقاع العالم، مطالبون بتوقف طويل أمام الحدث الذي تأكدت علاقته بالسياحة الجنسية والشذوذ الجنسي والمتاجرة في الأطفال القاصرين والسكوت الجماعي والرسمي عن ذلك. وهذا المقال يتحدث عن السياحة الجنسية في تلك المنطقة، وما أخذ يتردد حول بعض الدول العربية والإسلامية، وترشيحها لتكون القبلة المقبلة لهذه السياحة الخبيثة التي حذر منها كثير من المسؤولين الغربيين أنفسهم، بمن فيهم الفرنسيون، خاصة في التقرير الشهير الموجه لكل من وزيري الأسرة والطفولة والسياحة -خلال صيف سنة 2004- والذي سمي "محاربة السياحة الجنسية بالأطفال". تقرير وجه أصابع الاتهام للسياح الفرنسيين واقترح تغيير القانون الجنائي الفرنسي لإمكان متابعتهم ومحاكمته ولو ارتكبوا جرائمهم في أي بلد من بلدان العالم.

في كل عام يتحرك حوالي 600 مليون سائح في كل أرجاء العالم. منهم عدد يصعب تحديده، لكنه متصاعد، يقومون بنوع من العطل تسمى السياحة الجنسية، سياحة تعتبر اليوم ثالث تجارة غير قانونية في العالم بعد تجارة المخدرات و تجارة الأسلحة.

وتحتل المنطقة الآسيوية التي ضربها زلزال تسونامي على طول الشريط الساحلي المنطقة المفضلة للسياح الجنسيين للقيام بكل أشكال السياحة الجنسية، سواء تلك التي تسمح بها القوانين الغربية أو التي لا تسمح بها. وتعتبر تلك المناطق قبلة لكل أنواع الشذوذ الجنسي الصارخ الذي يذكر بعصور الجاهلية الجهلاء والمتاجرة في الرقيق واللحوم الآدمية، بما فيها الأطفال القاصرون ذكرانا وإناثا. ويستغل هؤلاء السياح والمقاولون السياحيون الذين يوفرون البنية التحتية والمركبات المتطورة التي تيسر هذا النوع من السياحة، يستغل كل هؤلاء فقر الفقراء وحاجة المحتاجين وجهل الأميين لارتكاب أفظع أنواع الاستغلال الجنسي، بل والمجاهرة بذلك علانية وأمام الملأ وفي تحد صارخ لكل القيم الدينية والإنسانية والأخلاقية. وقد أظهرت عدة منابر إعلامية صورا كاشفة للموتى من السياح على رمال تلك الشواطئ وهو عراة تماما كيوم ولدتهم أمهاتهم. كما تناولت هذا الأمر الصحافة الدينية الأثوذوكسية خاصة الصحافة اليونانية لما بعد زلزال تسونامي التي قالت إن غضب الله ضرب الشواذ الجنسيين وتجار الأطفال الذين كانوا هناك.

تحتل التايلاند على سبيل المثال مكانا متقدما في هذه التجارة القبيحة والسياحة الموبوءة، إذ يتوجه الوسطاء والسماسرة (أي القوادون) إلى البوادي والقرى لشراء "اللحوم الطرية الفتية" من أعالي الجبال ومن البلدان المجاورة مثل لاووس وكامبودج وبيرمانيا. وحسب المنظمات والجمعيات المناهضة للاستغلال الجنسي، يتصدر قائمة السواح الجنسيين، سواح ألمانيا وهولندا وبريطانيا، الذين يشكلون سوقا كبرى للبونوغرافيا.

وقد أدلت رون أوغريدي -صاحبة كتاب "الأطفال في العالم"والمناضلة ضد استغلال الأطفال- بشهادة حية من عين المكان سجلتها في كتابها، فقالت فيها:

"في شاطئ جميل شمال نانكوك، جلس مجموعة من الأوروبيين على الأرائك يشربون الجعة (البيرة). وبين الفينة والأخرى، يغادرون الظل الظليل للغطس في المياه الدافئة الخليج سيام. ونحن نتجول على طول الشاطئ، لاحظنا أن اللغات المستعملة هنا متنوعة. المجموعة الأهم هنا هي الألمانية، ولكن توجد مجموعات تتحدث لغات أخرى مثل الفرنسية والسويدية والهولندية والأنجليزية والإيطالية والإسبانية. والمثير أن السواح من الجنس المؤنث لم يكونوا موجودين، وتساءلنا عن ذلك. وعندما جلسنا، اكتشفنا لماذا يسيطر الذكور على الشاطئ. فبسرعة جاء إلينا أطفال وجلسوا على الرمال بجانبنا، وتحدثوا معنا لغتنا بسهولة، وفاتحونا حول رغبتهم في إقامة علاقات جنسية معنا. إنه الشاطئ الذي يقصده البيدوفيليون (أي الذين يميلون إلى إقامة علاقات جنسية مع القاصرين) وكل باحث عن الجنس، لأننا رأينا أطفالا بأعداد كبيرة وعلى استعداد دائم."

هذا المشهد يتكرر في كل الشواطئ السياحية لآسيا الجنوبية الشرقية، وخاصة في سيريلانكا حيث يدعى الأطفال "صبيان الشاطئ"، إذ يقصد السياح هذا البلد بأعداد غفيرة، وتقدر الجمعية الدولية لمناهضة الاستغلال الجنسي أعداد الأطفال حاليا ب30000 إلى 40000 بعدما كانوا في حدود 10000 في بداية التسعينيات من القرن الماضي. ولهذا تلقب سيريلانكا ب"جنة البيدوفيليين"، فلا يوجد سائح غربي بغير صبي يرافقه.

ويتحايل المجرمون على الوضع بإنشاء دور خاصة للأطفال على أنهم دور للأيتام، في حين أنها أسواق ومعارض يختار منها السياح بضائعهم حسب شهواتهم ورغباتهم. ويتنادى البيدوفيليون فيما بينهم بالتوجه إلى تلك المناطق لممارسة ما لا يستطيعون القيام به في بلدانهم نظرا للقوانين المقيدة المانعة والجمعيات المناهضة الرادعة، ونظرا للعقوبات الخفيفة في تلك البلدان الآسيوية. ويتواصى البيدوفيليون فيما بينهم بالمؤسسات المستقبلة والمحامين المستعدين لمؤازرتهم في عدة مدن. وتوجد حكايات كثيرة لأرباب الفسوق والترف الغربيين الذين سافروا إلى تلك المناطق ليقذفوا فيها نجاساتهم ومياههم المهينة وينفسوا عن رغباتهم المريضة، ولم تستطع الجمعيات المحلية ولا الحكومات المحلية النيل منهم ومحاكمتهم بحكم ضعف الأولى وتواطؤ الثانية، ولكن لما نقلت المعركة إلى البلدان الغربية الأصلية حوكم المجرمون ومنهم من أدخل غياهب السجون.

ومن أجل هذا سارعت أندونيسيا يوم الأربعاء 5 يناير 2005 إلى منع مغادرة البلاد على الأطفال البالغين أقل من 16 سنة، خوفا من سقوطهم في شبكات المتاجرة والرق، ويقدر عدد الأطفال الذين فقدوا أحد الأبوين أو كليهما في إقليم أتشي المنكوب بحوالي 35000. كما قامت الحكومة بتحذير المواطنين من أشخاص يزعمون أنهم يعملون لمنظمات إنسانية تعمل على إيواء الأطفال والعناية بهم، في حين أنهم متسترون بذلك لأغراض إجرامية. وفي السياق نفسه، حذر كاتب الخارجية الفرنسية رونو موزولييه من أن تتحول دعوات التبني الصادرة عن عدة جهات إلى بوابة للمتاجرة في منكوبي تسونامي من الأطفال.

وقد أصبحت بعض البلدان العربية والإسلامية مرتعا لعدد من السياح الجنسيين لم ينكشف أمر الكثير منهم إلا عن طريق الصدفة، وشهدت محاكم المغرب مثلا قضايا بعض منهم، سواء كانوا عربا أو عجما، غربيين وخليجيين. وأصبحت عدة مناطق ومدن مغربية مقصدا لهم، مثل مراكش وأكادير والصويرة وتارودانت والجديدة وغيرها. وعلاوة على السياح القادمين والخدمات المقدمة لهم، فإن شبكات للدعارة وتصدير البضاعة المغربية افتضح أمرها وصارت حديث القريب والبعيد.

من المضحك في زمن الفتن و"الغباء الذكي" أن يقترح بعض المسؤولين نظام "الإنذار المبكر" تحسبا لزلزال بحري مدمر مثل زلزال تسونامي ليوم 26 دجنبر 2004، وهل يمكن أن يعلم أحد أين ستكون الضربة المقبلة؟ وما الإنذار المبكر سوى الالتزام بتعاليم الدين الحنيف وعدم الاقتراب من حدود الله.

كل هذا يضاعف من المسؤولية ويعتبر بمثابة تحذير خطير للبلدان العربية والإسلامية لتتخذ الإجراءات اللازمة ضد هذه الآفات التي تهددها وتجعلها عرضة لغضب إلهي وعقوبة جماعية لا قدر الله، فالعاقل من اتعظ بغيره واعتبر بسواه، (فاعتبروا يا أولي الأبصار).