الحزن بعد فقد عزيز / تحليل نفسي
عندما يصاب شخص بفقد عزيز عليه ( كأم أو أب أو زوجة أو زوج أو أبن او ابنه , أو صديق حميم)
فإنه يمر بمراحل نفسية تمثل ردة فعل (لا إرادية) لواقع المصيبة عليه وتختلف المراحل النفسية في تعداد هذه المراحل ويمكن تبسيطها في الآتي :
1. مرحلة أنكار الحدث أنكاراً لا شعورياً :
وعدم تصديقه وعدم تقبله وإعتباره أمراً لم يقع وأن الخبر به لم يثبت ( رغم ثبوته حقيقة)
ولعل هذا ماحدث لعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أُخبر بوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام, كما ذكر اهل السيره .. انه رضي الله عنه وقف يكلم الناس في ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمت وانه ذهب الى به كما ذهب موسى ابن عمران فغاب عن قومه اربعين ليلة وسيرجع كما رجع موسى بعد ان قيل مات.
ويصاحب هذه المرحلة شي من الاحتجاج والمعارضة لما حدث وتتراوح هذه المرحلة بين لحظات يسيرة وعدة ساعات ..هذا في الحالات الطبيعية , وقد تستمر عند بعض الأشخاص أكثر من ذلك ..وإذا أستمرت مدة طويلة ( أسابيع ) فإنها مؤشر لإضطراب نفسي .
2. مرحلة تبلد المشاعر وتخدر الأحاسيس :
وهي المرحلة التي لاتظهر فيها علامات الحزن والتأثر وقد تكون قصيرة (ساعات), وقد تطول (أياماً) ثم تعقبها المرحلة الثالثة.
3.مرحلة الحزن والأسى والقلق:
وفيها ينتاب الشخص مجموعة من المشاعر والأحاسيس منها:
• ضيق الصدر والرغبة في البكاء مع شعور بتفاهة الدنيا وفقد الإستمتاع بملذاتها.
• الشفقه على الميت والرثاء لحاله ومصيره وتذكر سيرته ومعاناته مع المرض( إن كان مريض قبل الموت).
• التفكير في الآخرة والموت والقبر والحساب والعقاب والجنة والنار.
• تأنيب الضمير ومحاسبة النفس على التقصير عموما .. والتقصير في حق الميت خصوصاً, وربما يصاحب ذلك لوم للآخرين المعنين بصحة الميت (قبل موته) من أطباء ونحوهم أو أقارب , مع الإتهام لهم بالتقصير او الخطأ في العناية به وبعلاجة.
وفي هذه المرحلة لاتزال النفسية متأهبة لرؤية الميت وسماع صوته, ولذا فقد يحس الشخص أن الميت لايزال معه في البيت ( أو العمل , أو المدرسة) كأنه في نفس الغرفة المجاورة أو سيخرج من هذا الباب , أو ينادي أحداً وهكذا.
وتكثر الأحلام المرتبطة بالميت في هذه المرحلة وأكثرها يدور حول تكذيب خبر موته وأنه راجع للحياة ونحو ذلك
• ويصاحب هذه المرحلة تعب في النوم وضعف الشهية وعدم الرغبة بالأكل وانعدام الاستمتاع بالاشياء , وتكثر الأعراض البدنيه , وقد يميل الشخص الى العزلة.
• وكثيرا من الناس تشتد رغبته في رثاء الميت وذكر محاسنه ومآثره ومناقبه ( شعراً , أو نثرا ونحوه ), لما ينتابه في هذة المرحلة من جيشان المشاعر وتأثرها.
تمتد هذه المرحلة من أسابيع إلى بضعة أشهر " في الغالب" ثم تنخفض حدتها تدريجياً, ثم تزول ويأتي بعدها المرحلة الرابعة
4.مرحلة التكيف والتأقلم مع الوضع الجديد:
فيعود الشخص في هذه المرحلة الى وضعه وطبيعته من الصحة والنشاط البدني والنفسي ومزاولة مهامة الاسرية والإجتماعية والعملية.
وقد تعاوده بعض الأمور والذكريات مؤقتاً في أوقات المواسم التي تذكره بالشخص المفقود, مثل رمضان والاجازات ونحوها.
هذه بايجاز المراحل لتحليل الفعل النفسية للمصيبة التي يمر بها معظم الناس عند فقد شخص عزيز , وهي أمور طبيعية , ويتفاوت الأشخاص في ذلك , فمنهم من يستطيع التكيف والتأقلم في وقت قصير جداً
ومنهم من تستمر معه الحاله الى سنه أو أكثر فتصبح مرضاً يحتاج الى علاجة.
ومن العوامل التي تخفف أثر المصيبة على النفس , وترفع قدرة التحمل وتيسر التكيف والتأقلم:
• تقوية الإيمان بالله سبحانة وتعالى وبالقضاء والقدر خيره وشره ومعرفة معناه , وهو أن الله تعالى علم الأشياء كلها قبل وجودها وكتبها عنده , وشاء ماوجد منها, وخلق ما اراد خلقة , ومعرفة أن الاجل محدد بساعة لا يتأخر عنها العبد ولا يتقدم وان هذا أمر مقدر مسبقاً قبل خروج العبد الى الدنيا وان المصائب مكتوبة في كتاب عند الله قبل خلق الارض .
قال تعالى { ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير }• إحتساب الأجر في الصبر على البلاء.
قال تعالى{ ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}
وقالى جل علاه : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}.
وقال عليه الصلاة والسلام : ( لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيراً له , وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن , أن اصابته سراء شكر فكان خيراً له , وأن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) رواه مسلم.
• تقدير المصيبة بأكبر مما هي عليه والتفكير في ذلك في حال من هم أشد منه مصاباً وبلاءً.
• العزاء والمشاركة فيه , فللعزاء دور كبير في رفع قدرة التحمل وتيسير عملية التأقلم ويتمثل ذلك في أمور:
- تسهيل تقبل المصيبة وتلقيها على أنها حقيقة واقعية, صدقها الآخرون وعايشوها وشعروا بدورها , وأنها تتطلب منهم المؤازرة والوقوف الى جانب الشخص المصاب.
- المشاركة الوجدانية التي يبذلها المعزون للشخص المصاب مما يخفف مشاعر الفقد والحرمان والأسى في النفس ويربأ صدع المشاعر.
- التذكير الايماني الذي يقوم به المعزون بدعائهم مثل: عظم الله أجرك ..أصبر واحتسب .. ان لله ما اخذ وما اعطى .. ونحو ذلك.
================
د. محمد الصغير
استشاري الطب النفسي –جامعة الملك سعود
جريدة الرياض / العدد 11727
السنه السابعة والثلاثون
الاربعاء 2/جمادى الاولى 1421هـ
2 اغسطس 2000م
الروابط المفضلة